للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فالأفكار المطبوعة على تلك الأسطوانة قد أثارت العواصف في التاريخ الإنساني منذ أربعة عشر قرناً.

فهي في البداية قلبت رأساً على عقبٍ وسطاً بدائياً فوضعت طاقته الحيوية في حدود حضارة، وجعلتها تستجيب لقواعدها وأصولها، لنظامها الصارم.

لقد كنت لحظة (أرخميدس) التي عاشتها الجزيرة العربية عندما تلقت الرسالة لحظة لا مثيل لها في العظمة.

ـ[ففي الإطار المادي]ـ: رسمت الرسالة آثاراً جديدة، نتائج اجتماعية جديدة، إنما بالوسائل الحاضرة نفسها، لأن عالم الأشياء لم يكن بعد قد استطاع تغيير وسائله. وهكذا بدت تلك اللحظة فيما فعل المهاجرون والأنصار؛ إذ وضعوا مواردهم على سواء يينهم ليواجهوا المرحلة الجديدة.

ـ[وفي الإطار الفكري]ـ: لقد أوجدت تلك اللحظة عديداً من المقاييس، جديداً في أسلوب التفكير ليلائم أوامر تنظيم جديدٍ وتوجيهٍ لنشاطات مجتمع وليد.

وأخيراً ففي الإطار النفسي والأخلاقي أنشأت للطاقة الحيوية مراكز استقطابٍ جديد.

ولقد رأينا حول هذه المراكز لحظاتٍ من العظمة لا تُضاهى. كما حصل مثلاً عندما قام المسلمون- بناءً على نصيحة سلمان- بحفر الخندق الذي صدّ آخر موجة جاهلية ضد أسوار المدينة، فقد كان النقص في عالم الأشياء لا يسمح إلا باستخدام أدواتٍ بدائيةٍ في مواجهة عملٍ شاقٍ وفي غاية الصعوبة.

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إدراكاً منه لمعاناتهم يساندهم وهو يردد أمنية ووعداً موزوناً مقفىً:

<<  <   >  >>