إسماعيل، وهذا جزاء المحسنين، ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى تذكيراً بهذا الحادث العظيم .. الذي تجلت فيه حقيقة الإيمان، وجمال الطاعة، وجمال التسليم، وجمال الرحمة، وجمال البذل، وكمال التضحية.
وليعرف العباد أن الله لا يريد أن يعذبهم بالبلاء، إنما يريد أن تأتيه نفوسهم طائعة ملبية وافية، مؤدية مستسلمة، لا تقدم بين يديه، ولا تتألى عليه.
فإذا علم الله منها الصدق في هذا أعفاها من التضحيات والآلام، واحتسبها لها وفاءً وأداءً، وقَبِل منها، وفداها وأكرمها، فهي تذكر بالخير على توالي الأجيال والقرون: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١)} [الصافات: ١٠٦ - ١١١].
وقد ابتلى الله عزَّ وجلّ نبيه أيوب - صلى الله عليه وسلم - ليمتحن صبره، فكان يعيش في نعمة من المال والأهل والصحة.
فسلبه الله المال حتى لم يبق لديه شيء .. وسلبه الأهل والأولاد حتى لم يبق له إلا زوجه .. ثم سلبه الله الصحة، وابتلاه بالمرض حتى أصبح لا يخدم نفسه، ونفخ الشيطان في جسده حتى تقرح ثم تقيح.
والشيطان يأتي إليه في كل حال، ويذكره بالمال والأهل والعافية، ولكنه لا يبالي به صابراً لله كما قال الله عنه: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)} [ص: ٤٤].
ثم جاء الشيطان إلى زوجة أيوب، وذكرها بحالها الأولى، فاعترضت مرة على أيوب، فعلم أن الشيطان سوَّل لها، وحلف ليضربنها مائة سوط، فلما شفاه الله، وكانت امرأته صالحة محسنة إليه أفتاه الله أن يضربها بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة ليبر بيمينه كما قال سبحانه: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)} [ص: ٤٤].
فكان ما أصاب أيوب بسبب الشيطان، فشكاه إلى ربه، وصبر على هذا البلاء كله، فشفاه الله لأنه كمل مراتب العبودية لربه، فأمره أن يضرب الأرض برجله