للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يزيد البلاء بدفعه إلى التنفيذ: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣)} [الصافات: ١٠٣].

ألا ما أعظم هذا الابتلاء، لقد كب إبراهيم ابنه على جبينه ليذبحه، والغلام استسلم للذبح فلا يتحرك اقتناعاً، وقد وصل الأمر إلى أن يكون عياناً.

لقد أسلما، فهذا هو الإسلام في حقيقته، ثقة وطاعة، وطمأنينة ورضى، وتسليم وتنفيذ.

وكلاهما لا يجد في نفسه إلا هذه المشاعر التي تنبي عن الإيمان العظيم.

إنها ليست الشجاعة ولا الاندفاع، إنما هو الاستسلام الواعي المتعقل، القاصد المريد، العارف بما يفعل، المطمئن لما يكون.

بل هنا الرضا الهادي المتذوق لحلاوة الطاعة.

وهنا كان إبراهيم وإسماعيل قد أسلما، ولم يبق إلا أن يذبح إبراهيم ابنه إسماعيل، ويسيل دمه، وتزهق روحه.

وهذا أمر لا يعني شيئاً في ميزان الله، بعد ما وضع الأب وابنه في هذا الميزان من روحهما وعز مهما كل ما أراده الله منهما، فالابتلاء قد تم، ولم يبق إلا الألم البدني، وإلا الدم المسفوح، والجسد الذبيح.

والله عزَّ وجلَّ لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء، ولا يريد دماءهم وأجسادهم في شيء.

فلما علم الله من إبراهيم وإسماعيل صدقهما، فاعتبرهما قد أديا، فأثمر الصدق والنجاة: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥)} [الصافات: ١٠٤،١٠٥].

فالله عزَّ وجلّ لا يريد إلا الإسلام والاستسلام، بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن الله، أو تعزه عن أمره، أو تحتفظ به دونه، ولو كان هو الابن فلذة الكبد، ولو كانت هي النفس والحياة.

فلما بذلا ذلك ولم يبق إلا اللحم والدم، فهذا ينوب عنه ذبح آخر، ذبح من لحم ودم، ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت بذبح عظيم، يذبح بدل

<<  <  ج: ص:  >  >>