للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذبحه: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: ١٠٢].

إنها إشارة وليست وحياً صريحاً، ولا أمراً مباشراً، ولكنها إشارة من ربه، وهذا يكفي، فلبى دون أن يعترض أو يسأل.

ولم يلبِّ في انزعاج ولا جزع، بل استجاب مطمئناً راضياً واثقاً أنه يؤدي واجبه، والذي لا يهوله الأمر فيؤديه في اندفاع وعجلة ليخلص منه وينتهي.

إن الأمر شاق على النفس جداً، فالله لا يطلب إليه أن يرسل بابنه الوحيد إلى المعركة .. ولا يطلب إليه أن يكلفه أمراً تنتهي به حياته .. إنما يطلب إليه أن يتولى ذبح ابنه بيده.

وهو مع هذا يتلقى الأمر هذا التلقي، ويعرض على ابنه هذا العرض، ويطلب إليه أن يرى فيه رأيه.

إنه لا يأخذ ابنه على غرة لينفذ إشارة ربه وينتهي، إنما يعرض الأمر عليه، كالذي يعرف المألوف من الأمر، فالأمر في حسه هكذا، ربه يريد فليكن ما يريد، وابنه ينبغي أن يعرف، وأن يأخذ الأمر طاعة واستسلاماً، لا قهراً ولا اضطراراً؛ لينال هو الآخر أجر الطاعة، وليسلم هو الآخر، ويتذوق حلاوة التسليم لأمر ربه.

إن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - يحب لابنه إسماعيل - صلى الله عليه وسلم - أن يتذوق حلاوة الإيمان، ولذة التطوع التي ذاقها.

فماذا كان من أمر الغلام الذي يعرض عليه الذبح تصديقاً لرؤيا رآها أبوه؟.

{قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)} [الصافات: ١٠٢].

لقد تلقى الأمر لا في طاعة فحسب، ولكن في رضى كذلك ويقين.

ثم هو الأدب مع الله بالاستعانة به على ضعفه، ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية، ومساعدته على الطاعة.

فلم يأخذها بطولة، ولم يأخذها شجاعة، إنما أرجع الفضل كله لله، إنْ هو أعانه على ما يُطلب إليه، وأصبره على ما يراد به.

<<  <  ج: ص:  >  >>