للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمؤمن أسلم لله ربه في كل الأمور، فهو أسلم لله في الأمور التي له اختيار فيها، وهي طاعة الله ورسوله، وأسلم في الأمور التي ليس له فيها اختيار مما قدره الله عليه.

فأسلم قيادته لله طوعاً وكرهاً فيما يقدر عليه، وفيما لا يقدر عليه.

أما الكافر الذي رفض أن يسلم قيادته لله في الأمور التي له فيها اختيار، فهو يكفر بالله باختياره الذي منحه الله له، ولكنه يسلم لله قهراً أو كرهاً فيما ليس له فيه اختيار، فهو مقهور ومجبور على الاستسلام لله كباقي المخلوقات، فهو والكون كله في قبضة الله.

وكل من في السموات والأرض عبيد لملك الملوك كما قال سبحانه: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (٩٥)} [مريم: ٩٣ - ٩٥].

فليس للعبد إلا أن يسلم ويذعن لمالكه، ويطيع أمره، فهو أعلم بما ينفعه ويصلحه.

وكل الكون خلقه الله وسخره وقهره على تنفيذ ما يريد، فالسموات والأرض قالتا أتينا طائعين إجلالاً لربها، ولو أنها لم تأت طائعة لجاءت مكرهة مقهورة لأمر ربها.

وكل الخلق راجعون إلى الله، فمن استغل الاختيار الذي أعطاه الله له في الدنيا، وخان الأمانة، وخرج عن الدين، وترك منهج ربه، فلن يفلت، ولن يدفع عن نفسه الموت، ولن يعطي لنفسه الخلود، وستنتهي فترة الاختيار، ويحاسب على ما اختار كما قال سبحانه: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦)} [الغاشية: ٢٥،٢٦].

إن مجامع المؤمنين تختلف عن مجامع الكافرين مادياً ومعنوياً كما قال سبحانه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)} [القلم: ٣٥، ٣٦].

مجامع الكفار تقف بمغرياتها الفخمة الضخمة، تقف بمالها وجمالها،

<<  <  ج: ص:  >  >>