أما مجامع المؤمنين فتقف بمظهرها الفقير المتواضع، تهزأ بالمال والمتاع، وتسخر من الجاه والسلطان، وتدعو الناس إليها، لا باسم لذة تحققها، ولا مصلحة توفرها، ولا قربى من ذي سلطان.
ولكن باسم العقيدة تقدمها إليهم مجردة من كل زخرف، عاطلة من كل زينة، معتزة بعزة الله دون سواه.
لا .. بل تقدمها إليهم ومعها المشقة والجهد والجهاد، لا تملك أن تأجرهم على ذلك كله شيئاً في هذه الأرض.
إنما هو القرب من الله، وجزاؤه الأوفى يوم الحساب فـ: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣)} [مريم: ٧٣].
الكبراء الذين لا يؤمنون بمحمد - صلى الله عليه وسلم -؟ .. أم الفقراء الذين يلتفون حوله؟
إنها لحكمة الله. إنه الابتلاء .. إنه الامتحان.
أن تقف العقيدة مجردة من الزينة والطلاء، عاطلة من عوامل الإغراء، لا أبهة ولا زينة، ولا زخرف ولا فخامة.
ليقبل عليها من يريدها خالصة لله من دون الناس، ومن دون ما تواضعوا عليه، وتعارفوا عليه من قيم ومغريات، وينصرف عنها من يبتغي المطامع والمنافع، ومن يشتهي الزينة والزخرف، ومن يطلب المال والمتاع، ومن يركض وراء المنصب والجاه: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣)} [مريم: ٧٣].
وإذا غفل الناس عما جاء به الأنبياء من الحق، وأعرضوا عنه إلى غيره، استدرجهم الله من النعم إلى النقم كما قال سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٥)} [الأنعام: ٤٤،٤٥].