عبوديتهم لله، ولا يحققون في واقعهم شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
إنهم في الواقع يسلمون رقابهم لعبيد منهم يتألهون عليهم، ويشرِّعون لهم، وما أولئك بالمؤمنين.
فالمؤمن حقاً لا يدع عبداً من العبيد يتأله عليه، ولا يجعل عبداً من العبيد ربه الذي يصرف حياته بشرعه وأمره.
ويوم كان المسلمون مؤمنين حقاً دانت لهم الدنيا، وفاضت عليهم بركات السماء والأرض، وتحقق لهم وعد الله بالنصر والتمكين في الأرض.
وأما أولئك المفتوح عليهم في الرزق، فهذه هي السنة، وهو الابتلاء بالنعمة، وهو أخطر من الابتلاء بالشدة، وفرق بينه وبين البركات التي يَعِدها الله من يؤمنون ويتقون.
فالبركة قد تكون مع القليل إذا أحسن الانتفاع به، وكان معه الصلاح والأمن والرضا والراحة.
إن البركات الحاصلة مع الإيمان والتقوى بركات في الأشياء .. بركات في النفوس .. بركات في المشاعر .. بركات في طيبات الحياة .. بركات تنمي الحياة وترفعها، وليست مجرد وفرة المال مع الشقوة والتردي والانحلال.
فكم من أمة غنية ولكنها تعيش في شقوة؟.
فهي في حاضر نراه، يترقبه مستقبل نكد، وابتلاء يعقبه نكال: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠١)} [يونس: ١٠١].
فالعطاء ليس دائماً دليل رضى، فقد يكون مقدمة للعقوبة كما قال سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤)} [الأنعام: ٤٤].
إن شعور الإنسان بأنه مبتلى وممتحن بأيامه التي يقضيها على الأرض، وبكل شيء يملكه، وبكل متاع يتاح له، يمنحه مناعة ضد الاغترار والانخداع والغفلة،