يجدون في أنفسهم تحرجاً من شيء يعملونه، ولا تخوفاً من أمر يصنعونه، خاصة حين يطول بهم العهد في اليسار والنعمة.
فهم يتنعمون في يسر، ويبطشون كذلك في استهتار، ويقترفون كل كبيرة تقشعر لها الأبدان، وهم لا يتقون غضب الله، ولا لوم الناس، فكل شيء يصدر منهم عفواً بلا تحرج ولا مبالاة، وهم لا يفطنون لسنة الله في الكون، ومن ثم يحسبونها تمضي هكذا جزافاً بلا سبب معلوم، وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء، وقد أخذنا دورنا في الضراء، وجاء دورنا في السراء، هكذا يظنون.
عندئذ وفي ساعة الغفلة السادرة، وثمرة للنسيان واللهو والطغيان تجيء العاقبة وفق السنة الجارية: {فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٩٥)} [الأعراف: ٩٥].
هكذا تجري سنة الله أبداً وفق مشيئته في عباده، فتنة الاختبار والابتلاء بالضراء والسراء.
أما الطرف الآخر لسنة الله الجارية فكما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦)} [الأعراف: ٩٦].
فأهل القرى لو آمنوا بدل التكذيب، واتقوا بدل الاستهتار، لفتح الله عليهم بركات السماء والأرض، هكذا مفتوحة بلا حساب، من فوقهم ومن تحت أرجلهم، فيض غامر من كل مكان.
وقد ينظر بعض الناس فيرى من يقول إنهم مسلمون مضيقاً عليهم في الرزق، لا يجدون إلا الجدب والمحق.
ويرى في المقابل أمماً لا يؤمنون بالله ولا يتقونه مفتوحاً عليهم في الرزق والقوة والنفوذ.
فيتساءل وأين هي السنة الجارية التي لا تتخلف؟
ولكن هذا وذلك وهمٌ تخيله ظواهر الأحوال.
إن أولئك الذين يقولون إنهم مسلمون، لا مؤمنون ولا متقون، إنهم لا يخلصون