يرقق القلوب التي طال عليها الأمد، وأن يتجه بالبشر الضعاف الغافلين إلى خالقهم القهار، يتضرعون إليه، ويطلبون رحمته وعفوه، ويعلنون بهذا التضرع عن عبوديتهم له.
وليس بالله حاجة لعبادة العباد، فهو الغني وهم الفقراء، وهو القوي وهم الضعفاء، ولكن تضرع العباد وإعلان عبوديتهم لله إنما يصلحهم هم، ويصلح حياتهم ومعاشهم كذلك.
فمتى أعلن الناس عبوديتهم لله تحرروا من العبودية لسواه .. تحرروا من العبودية للشيطان الذي يريد أن يغويهم .. وتحرروا من شهواتهم وأهوائهم التي تقعدهم عن طاعة الله .. وتحرروا من العبودية للعبيد أمثالهم.
استحيوا أن يطيعوا خطوات الشيطان .. واستحيوا أن يغضبوا الله بنية أو عمل وهم يتجهون إليه في الشدة ويتضرعون.
لذلك اقتضت سنة الله ومشيئته أن يأخذ أهل كل قرية يرسل إليها نبياً فتكذبه بالبأساء والضراء، استحياء لقلوبهم بالألم، والألم خير مهذِّب، وخير مفجر لينابيع الخير المستكنة، وخير موجه إلى ظلال الرحمة لعلهم يضرعون:
فإذا الرخاء مكان الشدة .. واليسر مكان العسر .. والعافية مكان الضر .. والأمن مكان الخوف .. وإذا هو متاع ورخاء، وكثرة وامتلاء، إنما هو في الحقيقة اختبار وابتلاء.
والابتلاء بالشدة قد يصبر عليه الكثيرون، فإنه يذكر صاحبه بالله، فيتجه إليه، ويتضرع بين يديه، فيجد في رحابه فسحة.