لا بدَّ من هذا الابتلاء الظاهر المكشوف لكل الناس، كي يعز الدين على النفوس بمقدار ما أدوا في سبيله من تكاليف وصبر، فكلما تألموا في سبيله كلما بذلوا من أجله، وكلما بذلوا من أجله كان أعز عليهم من كل شيء؟
وكذلك لن يدرك الآخرون قيمة الدين وعظمته إلا حين يرون ابتلاء أهله وصبرهم على البلاء من أجله، وحينئذ سيقولون لو لم يكن عند هؤلاء من الخير أكبر وأعظم مما ابتلوا به ما قبلوا هذا البلاء، ولا صبروا عليه.
وعندئذ ينقلب المعارضون للدين باحثين عنه، مقدرين له، مندفعين إليه، وعندئذ يجيء نصر الله ويدخل الناس في دين الله أفواجاً.
ولا بدَّ من البلاء ليصلب عود أهل الحق ويقوى ويشتد.
وبحصول الشدائد والمحن يحصل التوجه والالتجاء إلى الله وحده، فحين تهتز الأسناد كلها يتوجه القلب إلى الله وحده، فلا يرى قوة إلا قوته، ولا يرى حولاً إلا حوله، ولا ملجأ إلا إليه، وهذه هي العبودية التي يريدها الله من عبده.
إن لهؤلاء في صلوات الله ورحمته وهدايته جزاء على التضحية بالأموال والأنفس والثمرات .. وجزاء على الخوف والجوع والشدة .. وجزاء على القتل والشهادة.
فهذا العطاء من الله أثقل في الميزان من كل عطاء، أرجح من النصر، وأرجح من التمكين، وأرجح من شفاء غيظ الصدور.
فهذا طريق مَنْ يريد الله استخلاصهم لنفسه ودعوته ودينه من بين البشر أجمعين.
وسنة الله جارية وفق ما يشاء، ومن سنة الله في المكذبين لرسله أن يأخذهم بالبأساء والضراء، كما قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤)} [الأعراف: ٩٤].
لأن من طبيعة الابتلاء بالشدة أن يوقظ الفطرة التي ما يزال فيها خير يرجى، وأن