فعلى العالم من عبودية الله نشر السنة والعلم الذي بعث الله به رسوله ما ليس على الجاهل، وعليه من عبودية الصبر على ذلك ما ليس على غيره.
وعلى الحاكم من عبودية إقامة الحق وتنفيذه، وحمل الناس عليه، والصبر على ذلك ما ليس على المفتي.
وعلى القادر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيده ولسانه ما ليس على العاجز عنهما.
وعلى الغني من عبودية أداء الحقوق التي في ماله ما ليس على الفقير.
وقد غر الشيطان أكثر الخلق بأن حسن لهم القيام بنوع من الذكر والقراءة والصلاة والصيام والزهد في الدنيا والانقطاع، وعطلوا هذه العبوديات النافعة، فلم يحدثوا أنفسهم بالقيام بها.
وهؤلاء عند ورثة الأنبياء من أقل الناس ديناً، فإن الدين هو القيام لله بما أمر به، وتارك حقوق الله التي تجب عليه أسوأ حالاً عند الله من مرتكب المعاصي.
ومن له دراية ومعرفة بما بعث الله به رسوله، وبما كان عليه هو وأصحابه، رأى أن أكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس ديناً.
وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسنن رسوله يرغب عنها، وهو بارد القلب، ساكت اللسان؟
وهؤلاء مع سقوطهم عن عين الله، قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية وهي موت القلوب، فالقلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل.
ولا بدَّ من تربية النفوس بالبلاء، وامتحانها بالمخاوف والشدائد والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمراث كما قال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ