ألا ترى هذا الشاعر، كيف لزم التصغير في هذه الأبيات جميعها؟ فإن ذلك من محاسن الصنعة فاعرفه.
واعلم أنا لا نبعث المؤلف على استعمال هذا القسم من الكلام حتى يجيء به متكلفاً وحشياً فيكون قد قصد جودة الصنعة وإظهار القدرة عليها، والقوة فيها، فيلقيه ذلك فيما يستكره من الألفاظ، وتعافه الأسماع. وما مثل المتكلف لهذا الضرب من الكلام حتى يأتي به في صورة قبيحة، إلا مثل الصائغ الذي يأخذ مصوغاً ردياً فيجيد فيه عمله، ويخرج فيه بديع صنعته فيكون عند ذلك قد رعى الفرع، وأهمل الأصل، فتذهب جودة الصنعة فيه رداءة المصوغ.
وأما إذا أتى المؤلف بهذا الضرب من الكلام غير متكلف ولا وحشي كان له رونق وطلاوة، وقد استعمل ذلك أبو العلا المعري في كتابه فأتى منه بشيء ينبو عنه الطبع كقوله في قافية التاء مع الخاء:
بِنتُ عن الدنيا ولا بنت لي ... فيها ولا عرسٌ ولا أُختُ
وقد تحملتُ من الوزر ما ... تعجز أن تحمله البُخت
إن مدحوني ساءني مدحهم ... وخلت أني في الثرى سُخت
وقال في الخاء المضمومة مع الباء:
لا يفقدن خيركم مجانسكم ... ولا تكونوا كأنكم سَبَخُ