الذي لا مطلع فوقه، والرديء الذي لا مهوى تحته، وسنذكر من ذلك طرفاً.
واعلم أن حقيقة هذا النوع هي: أن تكون الحروف التي قبل رويّ الأبيات من الشعر حرفاً واحداً، وهذا أيضاً موجود في موجود في فواصل الكلام المنثور. ومن أراد معرفة ذلك والاطلاع عليه، فليطلبه من كتاب (اللزوم) لأبي العلاء، وغيره من الكتب المؤلفة في هذا الفن، فإن كتابنا هذا ليس موضوعاً لشرح هذه الأسباب، وإنما وضع لمن عرف الأصل فيها، فنبين له نحن الجيد منها والرديء ونفرق بينهما، ليعلم أين يضع يده في استعمال ذلك واطراحه.
فمهما جاء في هذا الباب قولي في حصار قلعة:(فلما رأونا بساحتهم حاضرين، ولهم في عقر دارهم حاصرين، وهم من بأسنا حذرين، تنادوا: الاساء صباح المنذرين).
ألا ترى إلى الفقرتين الآخرتين كيف قد لزم فيهما (الذال والراء) نحو (حذر ومنذر)، وأما الفقرتان الأوليان فليستا من هذا القبيل، لأنه يجب أن يكون بازاء (حاضر) كلمة أخرى في آخرها ضاد وراء، إلا أن ذلك كأنه شبيه بما لا يلزم، والسبب فيه ورود الياء والنون المختصة بالجمع بعد الراء، ولو كان هذا معتبراً
في لزوم ما لا يلزم، لوجب أن يكون التأثير للياء والنون، من غير نظر إلى ما قبلهما. وعلى هذا التقدير فلو قال القائل (فلما رأونا بساحتهم نازلين، ولهم في عقر دارهم حاصرين)، لكان ذلك من باب لزوم ما لا يلزم. وهذا مما لم يذهب إليه أحد. وإنما الأصل ما أشرنا إليه أولا فاعرفه.
واعلم أنه متى صغرت الكلمة الأخيرة من الشعر والكلام المنثور، وجب أن يصغر الباقي اتباعاً للوزن. فمن ذلك قولُ بعضهم:
عزّ على ليلى بذي سُدَير ... سوءُ مَبيتي ليلة الغُميَر
مقبضاً نفسي في طُمير ... تنتهض الرعدة في ظهيري
يهفو إلي الزّورُ من صديري ... ظمآن في ريح وفي مُطير