[السرية والكتمان في نقل المعلومات والأخبار المهمة]
لما علم العباس بالأحداث في مكة -وكان لم يسلم حينها- أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسالة عاجلة مع رجل من رجاله الذين يثق فيهم، وكانت المسافة بين مكة والمدينة تقطع في عشرة أيام، فقطعها الرجل في ثلاثة أيام، ثم وصل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر وسلمه الرسالة، فقرأها أبي بن كعب وفيها أن قريشاً قد أعدت العدة واستعدت لغزو المدينة وهي في الطريق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي:(اكتم الخبر) أي: حتى لا يشيع الخبر قبل اجتماع القوم وأخذ المشورة، وكان سعد بن الربيع في داره، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم إلى داره وأخبره بالخبر، فقال: والله! يا رسول الله! ما أرى هذا إلا خيراً، قال تعالى:{لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[النور:١١] ثم لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عند سعد قالت امرأة سعد لـ سعد: ماذا قال لك النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا أم لك، وما لك ولهذا؟ لأنه لا يريد أن يشيع الخبر، فقالت: أما والله! فإني قد سمعت الخبر، فأخذها من يدها ولحق النبي صلى الله عليه وسلم بها وقال: يا رسول الله! لقد سمعت كلامنا، حتى إذا فشا الخبر لا تظن أني قد أشعت الخبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(دعها وأطلق يدها؛ فإنها مؤمنة).
حتى النساء يتكتمن على أخبار المسلمين، وتعلم أن القضية قضية تكتم وقضية سرية؛ لأن الأمر يعنيها، فهي تشترك معهم في العقيدة والإيمان، وهي تشترك معهم في الهدف وفي المنهج وفي الطريق، ومحمد كما أنه رسول الرجال فهو أيضاً رسول النساء.