للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقاد إليه فرسا، فقال يمدحه، أنشده يوم الأحد، لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر من هذه السنة.

فِراقٌ وَمَنْ فارَقْتُ غَيْرُ مُذَمَّمِ ... وأَمٌّ وَمَنْ يَمَّمْتُ خَيْرُ مُيَمَّمِ

وما مَنْزلُ اللَّذَّاتِ عِنْدي بِمَنْزِلٍ ... إذا لَمْ أَبَجَّلْ عِنْدَهُ وأكَرَّمِ

سَجِيَّةُ نَفْسٍ ما تَزالُ مُلِيْحَةً ... مِنَ الضَّيْمِ مَرْمِيًّا بها كُلُّ مَخْرَمِ

أممت الشيء ويممته: بمعنى قصدته، والتبخيل: التعظيم، والسجية: الخليقة، والمليح: المشفق الحذر، والضيم: الذل، والمخرم: منقطع أنف الجبل.

فيقول وهو يشير إلى مفارقته سيف الدولة، وقصده لكافور: فراق تكلفته، ومن فارقت من سيف الدولة محمود لا يذم، ومشكور لا ينكر فضله، وأم لكافور اخترته، وقصد إليه آثرته، ومن يممت أكرم ميمم، ومن أملت أفضل مرجو ومؤمل.

ثم قال: وما منزل اللذات والسعة، ومحل الرفاهية والدعة، عندي بمنزل يؤثر، ومحل يؤلف، إذا لم يتصل لي بذلك التبخيل والتكريم، والتوقير والتعظيم. يشير إلى أن سيف الدولة وإن كان خصه يسابغ فضله، فإنه لم يوفه حقيقة بره.

ثم قال: وتلك مني سجية نفس كريمة، أبية شريفة، لا تزال تأنف الضيم وتنكره، وترغب العز وتطلبه، متجشمة في ذلك البعيدة، مقتحمة على المخارم المنيعة.

رَحَلْتُ فَكَمْ بَاكٍ بِأَجْفَانِ شَادنٍ ... عليَّ وكمْ باكٍ بأَجفَانِ ضَيْغَمِ

وما رَبَّةُ القُرْطِ المَلِيْحِ مَكَانُهُ ... بِأَجْزَعَ مِنْ رَيَّ الحُسَامِ المُصَمَّمِ

فَلَوْ كَانَ ما بي مِنْ حَبِيْبٍ مُقَنَّعٍ ... عَذَرْتُ ولكِنْ مِنْ حَبِيبٍ مُعَمَّمِ

الشادن: ولد الظبية، والضيغم: الأسد، والحسام المصمم: القاضي فيما يضرب به، والقرط من الحلي: معروف.

فيقول: رحلت عن سيف الدولة، فكم فارقت من حبيب أشجيته، فبكى علي بأجفان شادن، يشير إلى من تخلفه بحلب من أهله، وكم خلفت من خليل أحزنته، فبكى

<<  <  ج: ص:  >  >>