وألحوا علي في المسألة في الوقوف عليه، وفتح أبواب الأفهام المقفلة بالنظر إليه؛ وكان مما حالت دونه الأيدي الغاصبة، ومانعت عنه الأيام الغالبة، فقلت: أيها الشغف بي اسمع بي ولا ترني، وأيها الكلف بهذا الفن هذا زمانك إني قد مضى زمني! ولو تركت هذا الفن الذي أصبح الولع به مرضاً، وهذا الفضل الذي ما عدت رأيت جوهره إلا عرضاً، وشغلت نفسك بسوى هذا من العلم النافع والعمل الصالح، لكان أعود عليك، وأقر لك وأقرب إليك! فأبى إلا أن يكلفني غرامة ذلك الضائع، ويريد مني رد تلك الودائع. هذا وقد خلعت ذلك الرداء المعار، ومات سلطاننا - رحمه الله - وزال الشعار، وقد أهملت هذا الفن حتى نسيته، وزدت على سائلي في الجهل به أو أواسيه. ثم لم أجد لي راحة من دوام مطالبته إلا بأن أضع له دستوراً، وأحرق خاطري له في التذكر لما فات وإن كنت لا أجد إلا فتوراً. وسألته عن أربه لأعمل على مقتضى إرادته، وأدأب فيما يحصل به قدر إفادته، فاقترح أن أجعله لما يحتاج إليه في ذلك الديوان المباشر، ويكون له كالمعلم الحاضر، والجليس
المباصر. وقد أتيت به على وفق اقتراحه، وملأته سروراً به وقت راحه؛ وأتيت فيه بزيادات على ما في الأول أين تلك منها، وإعادات في تلك العادات لو حصلت الآن لأعرض عنها، ومحاسن حسنت السماح بما بخل به العاجز الشحيح، وأمسكه بيده ولو وجد مع هذا