قوله:((تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا)) أي: ترى الظالمين خائفين مما أشركوا، والمقام مقام ذكر التوحيد والشرك، فالمشركون بالله الذين ظلموا أنفسهم الظلم الأكبر تراهم مشفقين مما كسبوا، عبدوا الأصنام من دون الله وتوجهوا لها وتركوا دين الله، فهم يوم القيامة مشفقون من حساب رب العالمين سبحانه، وكذلك غيرهم من الظلمة والمجرمين تراهم مشفقين مما كسبوا، أي: من جزاء ما كسبوا.
قال تعالى:((وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ))، أي: ترحموا على أنفسكم ما شئتم يوم القيامة، فإن يوم القيامة يوم جزاء وليس يوم تكليف، وليس في يوم القيامة تعويض لما سلف، فإن أمر العبادة كان في الدنيا.
فقوله تعالى:((وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ))، أي: عذابه سبحانه، أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضات الجنات، قال تعالى:((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ)) يقال: روضات ورياض، والروضة: البستان العظيم والنزهة التي يتنزه فيها الإنسان، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل جنته.
فقوله تعالى:((وَالَّذِينَ آمَنُوا))، قيدت بقوله تعالى:((وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ))، أي: في بساتين مزهرة، وفي قصور عامرة في جنات رب العالمين، ترى هؤلاء يلعبون وينعمون، ويفرحون، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) فالروضة: موضع النزهة الذي يتنزه فيه الإنسان وهو كثير الخضرة.
وقوله تعالى:((لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ)) (ما) من ألفاظ العموم، أي: كل ما يتمنونه ويشتهونه، فأنت في الجنة اطلب من الله ما شئت، فهي دار يشرفك الله عز وجل فيها، ويعطيك ما تشتهيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ينادي عليهم المنادي: يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وأن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً) كل ذلك في جنة الخلود، قال تعالى:{َلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة:٦٢].
فلا يخافون من المستقبل أمامهم، فهم في رحمة الله عز وجل، وقد طمأنهم الله عز وجل بأن هذه الجنة دار الخلود، وقد رضي الله عنهم فلن يسخط عليهم بعد ذلك أبداً، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل جنته.
قال الله سبحانه وتعالى:((لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ)) أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن رجلاً من أهل الجنة قال: (يا رب أريد أن أزرع؟ فقال الله عز وجل: أوما يكفيك هذا؟) أي: كل الذي أعطيتك هذا لا يكفيك؟ (قال: أشتهي ذلك، قال الله عز وجل: دونك، فرمى البذرة فزرعت وحصدت، قال الله: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء) وكان رجل أعرابي جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تراه رجلاً من هؤلاء، يعني: من الأنصار، أما نحن فنحن أصحاب إبل وهؤلاء أصحاب زروع، رضوان الله على الجميع، وإذا اشتهى العبد في الجنة الولد، فيكون حمله ووضعه وفصاله في مقدار ساعة، لا تعب كما كان في الدنيا، تسعة أشهر ووضع ورضاعة وتعب، فالجنة عظيمة وغالية، والذي يعرف الجنة لا يأبه لما يأتيه أو يضيع منه في هذه الدنيا إلا لأمر دين الله سبحانه وتعالى فقط، قال الله سبحانه:{ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[الحديد:١٢] أي: النجاح الباهر العظيم أنك تصل إلى الجنة، فإذا دخلت الجنة فقد فزت هذا الفوز العظيم عند الله، وأفلحت ونجحت.