[ما تضاف إليه حيث وإذ]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وألزموا إضافة إلى الجمل حيث وإذ وإن ينون يحتمل إفراد إذ وما كإذ معنى كإذ أضف جوازاً نحو حين جا نبذ] تقدم قوله: (وبعض الأسماء يضاف أبداً).
ومنها (حيث) فإنها تلزم الإضافة دائماً، حيث ألزموها إضافة إلى الجمل، وقوله: (إلى الجمل) يشمل الجمل الاسمية والجمل الفعلية.
في الجمل الفعلية تقول: جلست حيث جلس زيدٌ، وتقول: جلست حيث يجلس زيد.
وفي الجمل الاسمية تقول: جلست حيث زيد جالس.
إذاً: هي تضاف إلى الجمل الاسمية والفعلية سواء كانت الجملة الفعلية ماضية أو مضارعة.
وإعراب (حيث) ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب، وقد تكون مبنية على الضم في محل جر بمن، كما في قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:١٤٩]، {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:٢٢٢].
وفيها خمس لغات: حيثُ وحيثَ وحيثِ، بتثليث الثاء، ويقال: حوثُ، بقلب الياء واواً، ويقال: حاثُ، ولعل هذه لغة بدوية.
وهي ملازمة للإضافة إلى الجمل، ولا تضاف إلى المفرد إلا سماعاً، ومنه قول الشاعر: أما ترى حيث سهيلٍ طالعاً نجماً يضيء كالشهاب لامعاً بجر (سهيل)، وروي برفعه.
ويجوز: نجمٌ، بدل (نجماً) على أنه هو نجمٌ.
اليوم الكتاب يكتبون: حيث أن فلاناً فعل كذا، أو: حيث إن فلاناً، فنقول: يجوز الوجهان، لكن ليس على أنها مضافة إلى مفرد، بل هي مضافة إلى جملة بالوجهين.
تقول: جلست حيث إن زيداً جالسٌ، وجلست حيث أن زيداً جالسٌ، وهي على الوجهين مضافة إلى جملة، لكن على وجه الكسر تكون مضافة إلى جملة مؤكدة بإنّ، وعلى رواية الفتح تكون (أن زيداً جالس) مؤولة بمصدر، أي: حيث جلوس زيد كائن، فتكون مؤولة بمصدر هو المبتدأ وخبره محذوف.
لكن الأكمل والأحسن أن تقول: حيث إن زيداً جالس.
والحاصل: أن (حيث) من الأسماء الملازمة للإضافة، وتضاف إلى الجمل الاسمية أو الفعلية، وقد تضاف إلى المفرد سماعاً.
وكذلك: (إذ) وهي ظرف زمان، وقيل: تقع مفعولاً به ومفعولاً مطلقاً، ولكن المعروف أنها ظرف زمان، لكن المعربون الذين يعربون القرآن يعربونها على أنها مفعول مطلق مثل: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا} [الأعراف:٨٦]، فيقولون في ((إِذْ كُنتُمْ)): مفعول لـ (اذكروا).
ويقولون في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} [البقرة:٣٠]، إن المعنى: اذكر إذ قال، على أنه مفعول به.
إذاً: هي ملازمة للإضافة وهي ظرف، وقد تأتي للتعليل كما في قوله تعالى: {وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:٣٩]، وإذا كانت تعليلاً فقد قيل إنها حرف يراد به التعليل وليست اسماً.
وتأتي (إذ) للماضي؛ لأن إذ وإذا وإذاً تقاسمن الزمان، واحدة قالت: لي المستقبل، وواحدة قالت: لي الحاضر، وواحدة قالت: لي الماضي.
فالتي قالت: لي الزمان المستقبل قالت: لازم أمد نفسي من أجل أن أصل إليه وهي: إذا.
والتي قالت: لي الماضي قالت: أنا الآن منقطعة عن وقتي فأنا أقرفص، وهي: إذ.
والتي للحاضر قالت: أنا الآن أترنم في مكاني، وهي: إذاً.
لكن مع ذلك قد تأتي (إذ) للمستقبل، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [غافر:٧٠ - ٧١]، وذلك إنما يكون يوم القيامة في المستقبل؛ ولهذا قال: (فسوف) وسوف تجعل المضارع مستقبلاً.
ولكن بعض النحويين قالوا: هذا لا يصح، وإن (إذ) على بابها، ولكن نزل المستقبل منزلة الماضي لتحقق وقوعه، كما في قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ َ} [النحل:١]، مع أنه ما أتى، ولذا قال: ((فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ َ))، ولكن لتحقق وقوعه قال: (أتى).
إذاً: إذ معناها الماضي، وقد تأتي للمستقبل على قول بعض النحويين، وعلى قول آخرين: هي دائماً للماضي، ولكن ننزل المستقبل منزلة الماضي لتحققه، وقد تأتي للتعليل.
قوله: (وإن ينون يحتمل إفراد إذ وما كإذ معنى كإذ).
إن ينون: يعني: (إذ) إذا جاءت منونة احتمل أن تفرد عن الإضافة، ويكون التنوين عوضاً عن الجملة، وهذا كثير في القرآن وفي غير القرآن، قال الله تعالى: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة:٨٤]، يعني: وأنتم حينئذ بلغت الروح الحلقوم تنظرون.
وكذلك تأتي في يومئذ: ((يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ)) يعني: يومئذ تقوم الساعة، إن كان قبلها: تقوم الساعة.
المهم أنه إذا نونت احتمل إفراد إذ، أي: قطعها عن الإضافة.
إعراب يومئذٍ: يوم: ظرف منصوب على الظرفية، ويوم: مضاف، وإذ: مضاف إليه مبني على السكون وجاءت الكسرة لالتقاء الساكنين.
ثم قال: (وما كإذ معنى كإذ أضف جوازاً نحو حين جا نبذ) قوله: (وما كإذ معنى) ما: اسم موصول، والكاف هنا يجوز أن تكون اسماً بمعنى مثل، يعني: والذي هو مثل إذ في المعنى، أي: في كونه دالاً على زمان مبهم غير مقيد؛ لأن ما يدل على الزمان منه ما هو مقيد كيوم وشهر وأسبوع، ومنه ما هو مطلق مثل: حين ووقت وزمن ودهر وما أشبه ذلك.
فخرج بقولنا (مبهم) ما كان مقيداً كاليوم والشهر، فإنك تقول: جئتك شهر ربيع الأول، ولا تضفه إلى الجمل، لكن ما كان كإذ في دلالته على الزمان المبهم فإنه كإذ إلا أنه يخالفه بقوله: (أضف جوازاً) أي: إذ تضاف وجوباً، أما هذا فيضاف جوازاً.
إذاً: فيكون كإذ في أنه مبني؛ لأن إذ مبنية، وكذلك في الإضافة إلى الجمل، لكنه لا يضاف وجوباً كما تضاف إذ.
(نحو: حين جا نبذ) يعني: من يوم جاء طرد.
إعراب (حين جاء نبذ): حين: ظرف زمان مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية.
جاء: فعل ماض، والفاعل مستتر جوزاً تقديره هو، وحين: مضاف إلى الجملة (جاء).
نبذ: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو.
و (حين) ظرف وتحتاج إلى متعلق، ومتعلقها هو (نبذ)، والتقدير: نبذ حين جاء.
ولو قلت: نبذ حيناً، ولم تضفه، فذلك يجوز؛ لأن إضافته جائزة وليست بواجبة؛ ولهذا قال: (أضف جوزاً نحو حين جا نبذ).