للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَيضاً: لَمْ يَكْثُرِ الْكَلَامُ جِدًّا فِي نَوْعٍ مِنْ أَنواع الْعِلْمِ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ إِلا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وإِلى غَرَضِهِ تَصَوَّبَتْ (١) سِهَامُ النقد والذم، فهو إِذاً هو.

وَقَدْ رُوي عَنْ عَمِيرَةَ (٢) بْنِ أَبي نَاجِيَةَ المصري أَنه رأَى قوماً يتمارون (٣) فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ عَلَتْ أَصواتهم، فَقَالَ: هؤلاءِ قَوْمٌ قَدْ مَلّوا الْعِبَادَةَ، وأَقبلوا عَلَى الْكَلَامِ، اللَّهُمَّ! أَمِتْ عُمَيْرَةَ، فَمَاتَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ، فرأَى رَجُلٌ (٤) فِي النَّوْمِ قَائِلًا يقول له (٥): مات هذه الليلة نصف الناس، فعرف (٦) تلك الليلة، فجاءَ فيها (٧) مَوْتُ عُمَيْرَةَ هَذَا (٨).

وَالثَّانِي: أَنا لَوْ سَلَّمْنَا أَن مجرد رفع الصوت لا يَدُلُّ (٩) عَلَى مَا قُلْنَا؛ لَكَانَ أَيضاً مِنَ الْبِدَعِ إِذا عُدَّ كأَنه مِنَ الْجَائِزِ فِي جَمِيعِ أَنواع الْعِلْمِ، فَصَارَ مَعْمُولًا بِهِ لَا يُتَّقَى (١٠)، وَلَا يُكَفّ عَنْهُ، فَجَرَى (١١) مَجْرَى الْبِدَعِ الْمُحْدَثَاتِ.

وأَما تَقْدِيمُ الأَحداث عَلَى غَيْرِهِمْ: فَمِنْ (١٢) قَبِيلِ ما تقدم في كثرة الجهل (١٣)، وقلة العلم، كان ذلك التقديم في رُتَب العلم أَو غيره، لأَن


(١) في (ر) و (غ): "عربت" بدل: "تصوبت".
(٢) في (م): "غيره" بدل "عميرة".
(٣) في (خ) و (م): "يتعارون" بالعين المهملة، وفي (ت): "يتغايرون"، وصوبها في الهامش: "يتعازرون"، وذكر أن في نسخة: "ويتعارون".
(٤) في (م): "رجلاً".
(٥) قوله: "له" ليس في (خ).
(٦) في (ت) و (خ): "فعرفت".
(٧) قوله: "فيها" ليس في (خ) و (ت).
(٨) أورد هذه القصة المزي في "تهذيب الكمال" (٢٢/ ٤٠٠).
(٩) في (ت) و (م) و (خ): "رفع الأصوات يدل".
(١٠) في (م): "لا نقي"، وفي (ت): "لا ينهى"، وفي (خ): "لا نفي"، أو "لا يفي"؛ لم تنقط نوناً ولا ياءً، وعلق عليها رشيد رضا بقوله: الكلمة غير منقوطة في الأصل، وتحتمل بالتصحيف والتحريف عدة احتمالات. اهـ.
(١١) قوله: "فجرى" سقط من (خ)، وعلق على موضعه رشيد رضا بقوله: كذا! ولعل أصله: فجرى مجرى البدع المحدثات. اهـ.
(١٢) قوله: "فمن" لم يتضح في مصورة (خ)، وأثبته رشيد رضا: "من"، وعلق عليه بقوله: لعل الأصل: "فمن".اهـ.
(١٣) في (خ) و (ت) و (م): "الجهال".