للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْوَقَارُ، فأَن (١) يُلْزَمَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهَا المتَّخذ لَهَا أَولى (٢).

وَرَوَى مَالِكٌ: أَن عُمَرَ بْنَ الخطاب رضي الله عنه بنى رَحْبَةً في نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ تسمَّى البُطَيْحاء (٣)، وَقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَن يَلْغَط، أَو يُنْشِدَ شِعْرًا، أَو يَرْفَعَ صَوْتَهُ؛ فَلْيَخْرُجْ إِلى هَذِهِ الرَّحْبَةِ (٤).

فإِذا كَانَ كَذَلِكَ، فَمِنْ أَين يَدُلُّ ذَمُّ رَفْعِ (٥) الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْجَدَلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؟

فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحدهما: أَن رَفْعَ (٦) الصَّوْتِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَدَلِ الْمَذْمُومِ، أَعني فِي أَكثر الأَمر دُونَ الفَلتات؛ لأَن رَفْعَ الصَّوْتِ (٧) وَالْخُرُوجَ عَنِ الِاعْتِدَالِ فِيهِ ناشئٌ عَنِ الْهَوَى فِي الشيءِ المتكلَّم فِيهِ، وأَقرب الْكَلَامِ الْخَاصِّ بِالْمَسْجِدِ إِلى رَفْعِ الصَّوْتِ: الْكَلَامُ فِيمَا لَمْ يُؤْذَن فِيهِ، وَهُوَ الْجِدَالُ (٨) الَّذِي نبَّه عَلَيْهِ الْحَدِيثُ المتقدم.


(١) في (ر) و (غ): "فَبِأن"، وفي (م): "بأن".
(٢) في (ت): "وعلينا السكينة والوقار، فإن كان يلزم ذلك في نفسها، ففي موضعها المتخذ لها أولى"، وفي الهامش: "في غير محلها"؛ كأنه يريده بدلاً من قوله: "في نفسها".
(٣) في (ر) و (غ): "البطحاء".
(٤) أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ١٧٥)، هكذا: أنه بلغه: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بنى رحبة ... إلخ. كذا جاء بلاغاً في رواية يحيى الليثي عن مالك.
وأخرجه البيهقي في "السنن" (١٠/ ١٠٣) من طريق يحيى بن بكير، عن مالك؛ حدثني أبو النضر، عن سالم بن عبد الله؛ أن عمر بن الخطاب ... ، فذكره.
وذكر ابن عبد البر في "الاستذكار" (٦/ ٣٥٥) أن في رواية القعنبي، ومطرِّف، وأبي مصعب عنه، عن أبي النضر، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب ... ، فذكره.
وهذا إسناد صحيح.
(٥) في (ر): "رفع ذم"، وكتب الناسخ عليهما علامتي التقديم والتأخير.
(٦) في (خ): "يرفع".
(٧) قوله: "الصوت" سقط من (م)، وفي موضعه علامة لحق، ولم يظهر اللحق في التصوير.
(٨) في (ر) و (غ): "الجدل".