للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأَحسن (١) مَا يَكُونُ مِنَ النَّغَم، إِلا مِنْ وَجْهِ إِرسال الشِّعْرِ واتِّصال الْقَوَافِي. فإِن كَانَ صوتُ أَحدهم أَشْجَى (٢) مِنْ صَاحِبِهِ كَانَ ذَلِكَ مَرْدُودًا إِلى أَصل الخِلْقة لَا يَتَصَنَّعون وَلَا يَتَكَلّفون.

هَذَا مَا قَالَ (٣). فَلِذَلِكَ نصَّ العلماءُ عَلَى كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ المُحْدَث، وَحَتَّى سُئل مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الغناءِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ (٤) أَهل المدينة، فقال: إِنما يفعله عندنا (٥) الفُسّاق (٦). وَلَا كَانَ (٧) المتقدِّمون أَيضاً يَعُدُّون الغناءَ جُزْءاً مِنْ أَجزاءِ طَرِيقَةِ التعبُّد، وَطَلَبِ رقَّة النفوس، وخشوع القلوب، حتى يقصدوه قَصْدًا، ويتعمَّدوا اللَّيَالِي الْفَاضِلَةِ، فَيَجْتَمِعُوا لأَجل الذِّكْرِ الجَهْري، ثم الغناء (٨)، والشَّطْح، والرَّقْص، والتَّغَاشِي، والصِّيَاح، وَضَرْبِ الأَقدام عَلَى وزن إيقاع الأَكُفِّ (٩) أَو الْآلَاتِ، وَمُوَافَقَةِ (١٠) النَّغَمَات. هَلْ فِي كَلَامِ النبي صلّى الله عليه وسلّم أو عمله (١١) الْمَنْقُولِ فِي الصِّحَاحِ (١٢)، أَوْ عَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، أَو أَحدٍ من العلماءِ من ذَلِكَ (١٣) أَثر؟ أَو فِي كَلَامِ المُجِيب مَا يُصَرِّحُ بِجَوَازِ مِثْلِ هَذَا؟.

بَلْ سُئل عَنْ إِنشاد الأَشعار بالصَّوامع كَمَا يَفْعَلُهُ المؤذِّنون الْيَوْمَ فِي الدعاءِ بالأَسحار؟ فأَجاب بأَن ذَلِكَ بِدْعَةٌ مُضَافَةٌ إِلى بِدْعَةٍ؛ لأَن الدعاءَ بِالصَّوَامِعِ بِدْعَةٌ، وإِنشاد الشِّعْرِ وَالْقَصَائِدِ (١٤) بِدْعَةٌ أُخْرَى، إِذ لَمْ يكن ذلك


(١) في (ر): "فأحسن".
(٢) في (خ): "أشجن".
(٣) قوله: "هذا ما قال" مكرر في (غ).
(٤) في (ر) و (غ): "يتعلمه".
(٥) قوله: "عندنا" ليس في (خ) و (م).
(٦) رواه عبد الله بن أحمد في "العلل" (١٥٨١) عن أبيه، عن إسحاق بن عيسى الطباع؛ أنه سأل مالكاً ... ، فذكره. وسنده حسن.
(٧) في (خ): "ولكن".
(٨) قوله: "ثم الغناء" ليس في (خ) و (م).
(٩) في (خ) و (م): "الكف".
(١٠) في (م): "وموافقات".
(١١) في (خ): "وعمله".
(١٢) في (ر) و (غ): "الصحيح".
(١٣) قوله: "من ذلك" ليس في (خ): وقوله: "من" ليس في (م).
(١٤) في (ر) و (غ) و (م): "وإنشاد القصائد".