للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيْحَ نَفْسِي! لَا أَرَاهَا أَبداً ... فِي جميلٍ لَا، وَلَا فِي (١) أَدَبِ

نفسُ لَا كنتِ وَلَا كَانَ الْهَوَى ... رَاقِبِي المَوْلى وخافِي وارْهَبي

قال (٢): فقال عمر رضي الله تعالى عَنْهُ:

نفسُ لَا كنتِ وَلَا كَانَ الْهَوَى ... رَاقِبِي الْمَوْلَى وَخَافِي وَارْهَبِي

ثُمَّ قَالَ عُمَرُ (٣): عَلَى هَذَا فليغنِّ مَنْ غنَّى (٤).

فتأَمَّلوا قَوْلَهُ: "بلغني عنك أَمر ساءَني"، مَعَ قَوْلِهِ: "أَتتمجَّن فِي عِبَادَتِكَ"، فَهُوَ مِنْ أَشدّ مَا يَكُونُ فِي الإِنكار، حتّى (٥) أَعلمه أَنه يردد على (٦) لِسَانُهُ أَبياتَ حِكْمةٍ فِيهَا عِظَةٌ (٧)، فَحِينَئِذٍ (٨) أَقرّه وَسَلَّمَ لَهُ.

هَذَا وَمَا أَشبهه كَانَ فِعْلَ الْقَوْمِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقْتَصِرُوا فِي التَّنْشِيطِ لِلنُّفُوسِ وَلَا الْوَعْظِ عَلَى مجرَّد الشِّعْرِ، بَلْ وَعَظُوا أَنْفُسَهُمْ بِكُلِّ مَوْعِظَةٍ، وَلَا كَانُوا يَسْتَحْضِرُونَ لِذِكْرِ الأَشعار المغنِّين، إِذ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ طَلَبَاتِهِمْ، وَلَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الغناءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي أَزماننا (٩) شيءٌ، وإِنّما دَخَلَ فِي الإِسلام بَعْدَهُمْ حِينَ خَالَطَ الْعَجَمُ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَدْ بيَّن ذَلِكَ أَبو الْحَسَنِ القَرَافي، فَقَالَ: إِن (١٠) الْمَاضِينَ مِنَ الصَّدْرِ الأَوّل حُجَّة عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا يُلَحِّنون الأَشعار وَلَا يُنَغِّمُونَها


(١) قوله: "في" ليس في (م).
(٢) قوله: "قال" ليس في (غ) و (ر).
(٣) قوله: "عمر" من (خ) فقط.
(٤) أخرج هذه القصة ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤٤/ ٣١٢) من طريق الفضل بن عمير بن تميم المروزي، عن عبيد الله بن محمد العيشي، عن أبيه، عن مزيدة بن قعنب الرهاوي؛ قال: كنا عند عمر ... ، فذكرها مع اختلاف يسير.
ولم أجد ترجمة لمزيدة بن قعنب ولا للفضل بن عمير.
(٥) في (غ): "على".
(٦) قوله: "على" ليس في (خ) و (م).
(٧) في (خ): "موعظة".
(٨) في (غ): "ثم".
(٩) في (غ) و (ر): "أزمنتنا"، وفي (خ): "أزمات" وعلق عليها رشيد رضا بقوله: في الأصل: "أزمات"، فهو تحريف ظاهر. اهـ.
(١٠) في (خ): "أي".