للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَتَوَجَّعَ وَاسْتَرْجَعَ، ثُمَّ قَالَ: (قَوْمٌ أَرَادُوا وَجْهًا مِنَ الْخَيْرِ فَلَمْ يُصِيبُوهُ)، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَفَيُرْجَى لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لِسَعْيِهِمْ ثَوَابٌ؟ قَالَ (١): (لَيْسَ فِي خِلَافِ السُّنَّةِ رَجَاءُ ثواب) (٢).

وَأَمَّا أَنَّ صَاحِبَ الْبِدْعَةِ تُنْزَعُ مِنْهُ الْعِصْمَةُ وَيُوكَلُ إِلَى نَفْسِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُهُ (٣)، وَمَعْنَاهُ ظاهر جداً، فإن الله بَعَثَ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ حَسْبَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ، وَقَدْ كُنَّا قَبْلَ طُلُوعِ ذَلِكَ النُّورِ الْأَعْظَمِ لَا نَهْتَدِي سَبِيلًا، وَلَا نَعْرِفُ مِنْ مَصَالِحِنَا الدُّنْيَوِيَّةِ إِلَّا قَلِيلًا عَلَى غَيْرِ كَمَالٍ، وَلَا مِنْ مَصَالِحِنَا الْأُخْرَوِيَّةِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، بَلْ كَانَ كُلُّ أَحَدٍ يَرْكَبُ هَوَاهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ (مَا فِيهِ) (٤)، وَيَطْرَحُ هَوَى غَيْرِهِ فَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، فَلَا يَزَالُ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ وَالْفَسَادُ فِيهِمْ يَخُصُّ وَيَعُمُّ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَوَالِ الرَّيْبِ وَالِالْتِبَاسِ، وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ النَّاسِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} (٥)، وقوله: ({كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} معناه: فاختلفوا فبعث الله النبيين كما قال) (٦) {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} (٧).


=وبعيسى بن دينار انتشر مذهب مالك بالأندلس. توفي سنة ٢٣٤هـ.
انظر: ترتيب المدارك للقاضي عياض (١/ ٥٣٤)، شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف (ص٦٣ ـ ٦٤)، تقريب التهذيب (٢/ ٣٦٠).
(١) في (ت): "فقال".
(٢) أكثر الأقوال في المراد بأهل الأعراف أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، وقد أورد الإمام السيوطي في الدر المنثور عند ذكر آية الأعراف أحاديث تدل على أنهم قوم قتلوا في سبيل الله وهم عاصون لآبائهم، فمنعوا الجنة بمعصية آبائهم، ومنعوا النار بقتلهم في سبيل الله. انظر: الدر المنثور (٣/ ٤٦٤ ـ ٤٦٥)، فتح القدير للإمام الشوكاني (٢/ ٢٠٩)، ولعل هذا المعنى أقرب إلى مراد يحيى بن يحيى فيما نقل عنه. وهذا القول ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك (٣/ ٣٩١).
(٣) تقدم (ص١٠٥).
(٤) ساقطة من (خ).
(٥) سورة البقرة: آية (٢١٣).
(٦) ما بين المعكوفين أثبته من (غ) و (ر)، وهو ساقط من بقية النسخ.
(٧) سورة يونس: آية (١٩).