للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَمْ يَكُنْ حَاكِمًا بَيْنَهُمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، إِلَّا وَقَدْ جَاءَهُمْ بِمَا يَنْتَظِمُ بِهِ شَمْلُهُمْ، وَتَجْتَمِعُ بِهِ كَلِمَتُهُمْ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا اخْتَلَفُوا، وَهُوَ مَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالصَّلَاحِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، وَيَدْرَأُ عَنْهُمُ الفساد على الإطلاق، فانحفظت الأديان والدماء والعقول (١) وَالْأَنْسَابُ وَالْأَمْوَالُ مِنْ طُرُقٍ يَعْرِفُ مَآخِذَهَا الْعُلَمَاءُ، وذلك الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم (المبين بسنته) (٢) قَوْلًا وَعَمَلًا وَإِقْرَارًا، وَلَمْ يُرَدُّوا إِلَى تَدْبِيرِ أَنْفُسِهِمْ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ، وَلَا يَسْتَقِلُّونَ بِدَرْكِ مَصَالِحِهِمْ، وَلَا تَدْبِيرِ أَنْفُسِهِمْ.

فَإِذَا تَرَكَ الْمُبْتَدِعُ هَذِهِ الْهِبَاتِ الْعَظِيمَةَ، وَالْعَطَايَا الْجَزِيلَةَ، وأخذ في استصلاح آخرته (٣) أَوْ دُنْيَاهُ بِنَفْسِهِ بِمَا لَمْ يَجْعَلِ الشَّرْعُ عَلَيْهِ دَلِيلًا، فَكَيْفَ لَهُ بِالْعِصْمَةِ وَالدُّخُولِ تَحْتَ هَذِهِ الرَّحْمَةِ (٤)؟ وَقَدْ حَلَّ يَدَهُ مِنْ حَبْلِ الْعِصْمَةِ إِلَى تَدْبِيرِ نَفْسِهِ، فَهُوَ حَقِيقٌ بِالْبُعْدِ عَنِ الرَّحْمَةِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} (٥) بعد قوله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (٦)، فَأَشْعُرُ أَنَّ الِاعْتِصَامَ بِحَبْلِ اللَّهِ هُوَ تَقْوَى اللَّهِ حَقًّا وَأَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ تَفْرِقَةٌ لقوله: {وَلاَ تَفَرَّقُوا}، والفرقة من أخص (٧) أَوْصَافِ الْمُبْتَدِعَةِ، لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ، وَبَايَنَ جَمَاعَةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.

رَوَى عَبْدُ (٨) بْنُ حميد (٩) عن عبد الله (١٠): (أن حبل الله الجماعة) (١١).


(١) في (م) و (ت) و (خ) و (ط): "العقل".
(٢) ما بين المعكوفين ساقط من جميع النسخ عدا (غ)، وفي (ر): "بسنة" ..
(٣) المثبت من (غ)، وفي بقية النسخ: "نفسه".
(٤) في (غ): "الترجمة".
(٥) سورة آل عمران: آية (١٠٣).
(٦) سورة آل عمران: آية (١٠٢).
(٧) ساقطة من (ت)، وفي م وخ وط (أخس).
(٨) المثبت هو ما في (غ) و (ر)، وبقية النسخ عبد الله.
(٩) تقدمت ترجمته (ص١٠٠).
(١٠) هو ابن مسعود رضي الله عنه.
(١١) رواه سعيد بن منصور في سننه برقم (٥٢٠) (٣/ ١٠٨٤)، وابن جرير في تفسيره (٤/ ٣٠)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور لابن المنذر والطبراني، من طريق الشعبي (٢/ ٢٨٧)، وروى الآجري قريباً منه ضمن خطبة لابن مسعود رضي الله عنه. انظر الشريعة (ص١٣)، وذكره كذلك الإمام البغوي في معالم التنزيل (١/ ٣٣٣).