للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِنْهَا أَنَّ (١) الْمُسْتَحْسِنَ لِلْبِدَعِ يَلْزَمُهُ عَادَةً أَنْ يَكُونَ الشَّرْعُ عِنْدَهُ لَمْ يَكْمُلْ بَعْدُ، فَلَا يَكُونُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (٢) مَعْنًى يُعْتَبَرُ بِهِ (٣) عِنْدَهُمْ، وَمُحْسِنُ الظَّنِّ مِنْهُمْ يَتَأَوَّلُهَا حَتَّى يُخْرِجَهَا عَنْ ظَاهِرِهَا. وَذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْفِرَقَ الَّتِي تَبْتَدِعُ الْعِبَادَاتِ أَكْثَرُهَا مِمَّنْ يُكْثِرُ الزُّهْدَ وَالِانْقِطَاعَ وَالِانْفِرَادَ عَنِ الْخَلْقِ، وَإِلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ يَجْرِي أَغْمَارُ (٤) الْعَوَامِّ، وَالَّذِي يَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ وَإِنْ كَانَ أَتْقَى خَلْقِ اللَّهِ لَا يُعِدُّونَهُ إِلَّا مِنَ الْعَامَّةِ. وَأَمَّا الْخَاصَّةُ فَهُمْ أَهْلُ تِلْكَ الزِّيَادَاتِ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ كَثِيرًا مِنَ المغترين بِهِمْ، وَالْمَائِلِينَ إِلَى جِهَتِهِمْ، يَزْدَرُونَ بِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ (٥) لَمْ يَنْتَحِلْ مِثْلَ مَا انْتَحَلُوا، وَيَعُدُّونَهُمْ مِنَ الْمَحْجُوبِينَ عَنْ أَنْوَارِهِمْ، فَكُلُّ مَنْ يَعْتَقِدُ هَذَا الْمَعْنَى يَضْعُفُ فِي يَدِهِ قَانُونُ الشَّرْعِ الَّذِي ضَبَطَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ، وَبَيَّنَ حُدُودَهُ الْفُقَهَاءُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ فِي طريق السلوك بمنهض حتى يدخل مداخل


=وقد ذهب الأشاعرة بناء على هذا إلى نفي الحكمة عن الله تعالى، ولكن من ذهب إلى نفي التحسين والتقبيح العقليين من غير الأشاعرة لم يقل بنفي الحكمة والأسباب.
وقد توسط أهل السنة في هذه المسألة، فقالوا بأن الحسن والقبح يدركان بالعقل ولكن ذلك لا يستلزم حكماً في فعل العبد، بل يكون الفعل صالحاً لاستحقاق الأمر والنهي، والثواب والعقاب من الحكيم الذي لا يأمر بنقيض ما أدرك العقل حسنه، أو ينهى عن نقيض ما أدرك العقل قبحه، عملاً في ذلك بمقتضى الحكمة التي هي صفة من صفاته سبحانه ... وهذا قول عامة السلف وأكثر المسلمين.
انظر هذه المسألة: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٨/ ٤٢٨ ـ ٤٣٦)، (١١/ ٦٧٦ ـ ٦٧٧)، درء تعارض العقل والنقل (٨/ ٤٩٢)، مفتاح دار السعادة للإمام ابن القيم (ص٣٣٤ ـ ٤٤٦)، شفاء العليل (ص٣٩١ ـ ٤٣٤)، مدارج السالكين (١/ ٢٣٠)، لوامع الأنوار البهية للسفاريني (١/ ٢٨٤)، حقيقة البدعة وأحكامها للأستاذ سعيد بن ناصر الغامدي، وانظر قول المعتزلة في المغني للقاضي عبد الجبار (١٤/ ٧ ـ ١٨٠)، وقول الأشاعرة في المواقف للإيجي (ص٣٢٣)، والإرشاد للجويني (ص٢٢٨).
(١) ساقطة من (ت).
(٢) سورة المائدة: آية (٣).
(٣) ساقطة من (ت).
(٤) في (م) و (غ) و (ر): "غمار"، قال في الصحاح: "والغمرة: الزحمة من الناس والماء، والجمع غمار، ودخلت في غمار الناس وغمار الناس، يضم ويفتح، أي في زحمتهم وكثرتهم. ورجل غمر: لم يجرب الأمور". الصحاح للجوهري (٢/ ٧٧٢ ـ ٧٧٣).
(٥) في (ت): "مثل من".