للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيان ذلك بأمثلة (١):

منها أن يشرك (٢) العقل مع الشرع في التشريع (وهي طريقة أهل التحسين والتقبيح، ولذلك يقولون إن العقل يستقل بالتشريع) (٣)، وَإِنَّمَا يَأْتِي الشَّرْعُ (٤) كَاشِفًا لِمَا اقْتَضَاهُ الْعَقْلُ، فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ حَكَّمَ هَؤُلَاءِ فِي التَّعَبُّدِ لِلَّهِ شَرْعَهُ أَمْ عُقُولَهُمْ؟ بَلْ صَارَ الشَّرْعُ فِي نِحْلَتِهِمْ كَالتَّابِعِ الْمُعِينِ (٥)، لَا حَاكِمًا مُتَّبَعًا، وَهَذَا هُوَ التَّشْرِيعُ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لِلشَّرْعِ مَعَهُ أَصَالَةٌ، فَكُلُّ مَا عَمِلَ هَذَا الْعَامِلُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ عَقْلُهُ، وَإِنْ شَرَكَ الشَّرْعَ فَعَلَى حُكْمِ الشَّرِكَةِ، لَا عَلَى إِفْرَادِ الشَّرْعِ، فَلَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ (٦) الدَّالِّ عَلَى إِبْطَالِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، إِذْ هُوَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْكَلَامِ (٧) مِنْ مَشْهُورِ الْبِدَعِ، وكل بدعة ضلالة (٨).


(١) في (م) و (خ) و (ط): "أمثلة".
(٢) في (ت): "يتركب" وفي (م) و (خ) و (ت): "يترك"، والمثبت ما في (غ) و (ر).
(٣) ما بين المعكوفين مثبت من (غ) و (ر)، وهو ساقط من بقية النسخ.
(٤) الشين غير واضحة في (ت).
(٥) ساقطة من (ت).
(٦) كتبت مرتين في (ت).
(٧) تقدم هذا الإطلاق للمؤلف، وأنه يريد به علماء العقيدة والأولى استعمال لفظ أنسب لذم الكلام وأهله عند السلف.
(٨) وهذا القول هو قول المعتزلة والكرامية وغيرهم من أهل المذاهب، فقد ذهبوا إلى أن حسن الأفعال وقبحها صفات ذاتية لها، وأن الشرع ليس له دور إلا الكشف عن تلك الصفات، ورتبوا على ذلك قولهم الباطل، وهو أنه يجب على الله ـ سبحانه وتعالى ـ فعل ما استحسنه العقل، ويحرم عليه سبحانه فعل ما استقبحه العقل، وقد بنوا على ذلك نفيهم للقدر، ولكن كثيراً ممن قال بالتحسين والتقبيح العقلي لم يقل بنفي القدر، ولا التزم بما التزم به المعتزلة، لكن القول بأنه لا يقبل لأصحاب هذا القول عمل فيه نظر.
وقد ذهب الأشاعرة ومن تبعهم من أهل المذاهب إلى نفي التحسين والتقبيح العقليين، وقالوا بأن حسن الأفعال وقبحها لا يعرف إلا بالشرع. ويلزم على قولهم لوازم فاسدة قد التزموها وقالوا بها كجواز ظهور المعجزة على يد الكاذب وأن ذلك ليس بقبيح، وأنه يجوز نسبة الكذب إلى أصدق الصادقين، وأنه لا يقبح منه، وأنه يستوي التثليث والتوحيد قبل ورود الشرع .. وغير ذلك من اللوازم التي انبنت على أن هذه الأشياء لم تقبح بالعقل، وإنما جهة قبحها السمع فقط. انظر مفتاح دار السعادة لابن القيم (٢/ ٤٢).=