٣٠٨٦ - عن سعيدِ بنِ المسيبِ، عن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنه قالَ: قدمَ وفدُ بكرِ بنِ وائلٍ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ لهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«ما فعلَ حليفٌ لكم يُقالُ له قُسُّ بنُ ساعدةَ الإياديُّ؟» قَالوا: هلكَ يا رسولَ اللهِ، فتأوَّهَ النبيُّ عليه السلامُ لموتِهِ تأوّهاً شديداً، ثم قالَ:«كأنِّي به بالأمسِ في سوقِ عكاظٍ على جملٍ أفرقَ في إِزارينِ وهو يخطبُ الناسَ وهو يقولُ: يا أيُّها الناسُ اجتمِعوا، ثم اسمَعوا وعُوا، مَن عَاش مَات، ومَن ماتَ فاتَ، وما هو آتٍ آتٍ، إنَّ في السماءِ لَخبراً، وفي الأرضِ لعِبراً، بحارٌ لا تَفورُ، ونجومٌ لا تَمورُ، وسقفٌ مرفوعٌ، ومِهادٌ موضوعٌ، ومطرٌ ونباتٌ، وذاهبٌ وآتٍ، وأحياءٌ وأمواتٌ، وعظامٌ رفاتٌ، وليلٌ ونهارٌ، وضياءٌ وظلامٌ، ومُسيءٌ ومُحسنٌ، وغنيٌّ وفقيرٌ، يا أَربابَ الغفلةِ لِيصلحْ كلُّ واحدٍ مِنكم عملَه، تَعالوا نعبدْ إلهاً واحداً ليسَ بمولودٍ ولا والدٍ، أعادَ وأبادَ، وغداً إليه المعادُ، أَقسَمَ قُسٌّ قسماً باللهِ وما أَثِمَ، لئنْ كانَ في الأرضِ ليكونَنَّ سَخَطاً، إنَّ للهِ دِيناً هو أَرضى مِن دِينِكم الذي أَنتم عليه، يا أهلَ إيادٍ مالي أَرى الناسَ يَذهبونَ فلا يَرجعونَ! أَرضوا بالمقامِ فأَقاموا أم تُركوا فَناموا!»
فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«سمعتُه يتمثلُ بأبياتِ شعرٍ ولِساني لا ينطلقُ بها»، فقامَ إليه رجلٌ مِنهم فقالَ: يا رسولَ اللهِ، أَنا سمعتُها مِنه، فهل عليَّ فيه مِن إثمٍ إنْ أَنا قلتُه؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«قُلْ، فإنَّ الشعرَ كلامٌ حسنُهُ حسنٌ وقبيحُهُ قبيحٌ»، فقالَ: سمعتُه يقولُ:
في الذَّاهبينَ الأوَّلينَ ... مِن القرونِ لنا بصائرْ
لمَّا رأيتُ مَوارداً للموتِ ... ليسَ لها مصادرْ
ورأيتُ قوماً نحوَها ... يَسعى الأكابرُ والأصاغرْ
لا يَرجعُ الماضي ولا ... يَبقى على الحدثانِ غابرْ
أَيقنتُ أنِّي لا محالةَ ... حيثُ صارَ القومُ صائرْ