للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن يزيدُ في إيمانِ قُس بنِ ساعدةَ؟» فوثبَ رجلٌ مِن القومِ فقالَ: يا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينا نحنُ في ملاعِبنا إذ أشرفَ علينا مِن حرةِ الجبلِ، فرأيتُ طيراً كثيراً ووحشاً كثيراً في بطنِ الوادي، وإذا قُسُّ بنُ ساعدةَ مؤتزرٌ بشملةٍ مُرتَدٍ بأُخرى، وبيدِه هِراوةٌ، وهو واقفٌ على عينٍ مِن ماءٍ وهو يقولُ: لا وإلهِ السماءِ لا يشربُ القويُّ قبلَ الضعيفِ، بل يشربُ الضعيفُ قبلَ القويِّ، فوَالذي بعثَكَ بالحقِّ يا رسولَ اللهِ، لقد رأيتُ القويَّ مِن الطيرِ يتأخَّرُ حتى يشربَ الضعيفُ، ولقد رأيتُ القويَّ مِن الوحشِ يتأخرُ حتى يشربَ الضعيفُ،

فلمَّا تَتحامى حولَه هبطتُ إليه مِن ثَنيةِ الجبلِ، فرأيتُه واقفاً بينَ قبرينِ يُصلِّي، فقلتُ: أنَعِمْ صباحاً، ما هذِه الصلاةُ التي لا تعرفُها العربُ؟ قالَ: صليتُها لإلهِ السماءِ، فقلتُ: وهل للسماءِ مِن إلهٍ سِوى اللاتِ والعُزى؟ فانتقضَ وانتفخَ لونُه ثم قالَ: إليكَ عنِّي يا أَخا إيادٍ، إنَّ في السماءِ إلهاً عظيمَ الشأنِ، هو الذي خلَقَها فسوَّاها، وبالكواكبِ زيَّنها، وبالقمرِ المنيرِ والشمسِ أشرَقَها، أظلمَ ليلَها وأضاءَ نهارَها، ليسلفَ بعضها في بعضٍ، ليسَ له كفويَّةٌ ولا أينيَّةٌ ولا كَيْموسيَّةٌ،

فقلتُ له: فما أصبتَ موضعاً تعبدُ إلهَ السماءِ إلا في هذا المكانِ؟ فقالَ: إنِّي لم أُصبْ في زَمني غيرَ صاحِبَي هذينِ القبرينِ، وإنِّي مُنتظرٌ ما أصابَهما، وسيَعُمّكم حقٌّ مِن هذا الوجهِ، وأشارَ بيدِه نحوَ مكةَ، فقلتُ له: وما هذا الحقُّ؟ قالَ: رجلٌ أبلجُ أحورُ، مِن ولدِ لؤيِّ بنِ غالبٍ، يَعني محمداً عليه السلامُ، يَدعوكم إلى كلمةِ الإخلاصِ، وعيشِ الأبدِ، ونعيمٍ لا يَنفدُ، فإنْ دعاكُم فأَجيبوهُ، وإِن استنصَرَكم فانصروهُ، قد وصفَ لي فيه علامات شَتى وخلائقَ حساناً، قالَ: إنَّه لا يأخذُ على دَعواهُ أجراً، قلتُ: فما لَكَ لا تَصيرُ إليهِ؟ قالَ: إنِّي لا أَعيشُ إلى مبعثِهِ، ولو علمتُ أنِّي أَعيشُ إلى مبعثِهِ لكنتُ أولَ مَن يَسعى إليه، فأضرب بصفقةِ كفِّي صفقةَ كفِّه، فأقيم بينَ يديهِ لحكمِ ربِّي تباركَ وتَعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>