للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ورأيتُ قَومي نحوَها ... يَمضي الأصاغِرُ والأكابرْ

لا يَرجعُ الماضي إليَّ ... ولا مِن الباقينَ غابرْ

أَيقنتُ أنِّي لا محالةَ ... حيثُ صارَ القومُ صائرْ

فقامَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيخٌ مِن عبدِ القيسِ طويلُ القامةِ، عظيمُ الهامةِ، ضخمُ الدَّسيعةِ، جهْريُّ الصوتِ، قالَ: فداكَ أَبي وأُمي يا رسولَ اللهِ، وأَنا فقدْ رأيتُ مِن قُسِّ بنِ ساعدةَ عجباً، فقالَ له رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وما الذي رأيتَ مِنه يا أخا عبدِ القيسِ؟» فقالَ: خرجتُ في جاهِليَّتي أَبتغي بعيراً شردَ مِني أَقفو أثرَهُ في تنايُقَ ذاتِ ضغابيسَ، وعَرصاتٍ حثحاثٍ، بينَ صدورِ حرعافٍ وعمير حردان ومهمه ظلمانٍ ورضيع أُيهقان، فَبينا أَنا في تلكَ الفلواتِ أجولُ سبسبَها وأرمقُ فدفدَها، إذا أتاهُ بهضبة في تشوائِها أراكٌ كَباثٍ مُخضوضلةٍ بأغصانِها، كأنَّ بريرَها حبُّ فلفلٍ مِن بواسقِ أقحوان، وإذا أَنا بعينٍ خرَّارةٍ وروضةٍ مُدهامَّةٍ وشجرةٍ عاديةٍ، وإذا قُسُّ بنُ ساعدةَ جالسٌ في أصلِ تلكَ الشجرةِ وبيدِه قضيبٌ،

فدنوتُ مِنه وقلتُ: أَنعِمْ صباحاً، فقالَ: وأنتَ فنعم صباحُكَ، ووَردَت العينَ سباعٌ كثيرةٌ، فكانَ كلَّما ذهبَ سبعٌ مِن السباعِ يشربُ مِن العينِ قَبلَ السبعِ الذي وردَ قبلَه ضربَه قُسٌّ بالقضيبِ الذي كانَ معه، فقالَ: اصبرْ حتى يَشربَ الذي وردَ قبلَكَ، فذُعرتُ لذلكَ ذُعراً شديداً، فنظرَ إليَّ وقالَ: لا تخفْ، وإذا قَبرانِ وبينَهما مسجدٌ، فقلتُ: ما هذانِ القَبرانِ؟ فقالَ: هذانِ قَبرا أخوينِ كانا لي يعبدانِ اللهَ عزَّ وجلَّ في هذا الموضعِ، فأَنا مقيمٌ بينَ قَبريهما أعبدُ اللهَ حتى ألحقَ بهما، فقلتُ: ألا تلحقُ بقومِكَ فتكونُ معهم في خيرِهم وتُبايِنَهم على شرِّهم! فقالَ لي: ثَكلتْكَ أمُّك، أَوَ ما علمتَ أنَّ ولدَ إسماعيلَ تَركوا دِينَ أَبيهم واتَّبعوا الأضدادَ وعظَّموا الأندادَ، ثم أقبلَ على القَبرينِ يَبكي ويقولُ:

خليليَّ هُبَّا طالَ ما قد رَقدتُما ... أجدّكُما ما تَقضيانِ كراكُما

<<  <  ج: ص:  >  >>