للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المصدق، وذو العرفان المدقق المحقق.

الوجه السابع: إنا إذا رجعنا إلى الحقيقة، وتركنا نصب الحبائل الشيطانية لأخذ أموال العباد ظلمًا وعدوانًا وجدنا صفة الواقع أنه لا جاني ولا مجني عليه، ولا مدعي ولا مدعى عليه، ولا أثر جناية بمن يزعم العريف أنه المجني عليه، بل المراد تحصيل الحاصل، وأكل أموال الناس بالباطل، وقد وجب عليكم مكافأة الله - سبحانه - بما أنعم عليكم من نعمه التي من جملتها العلم والشرف، وعلو السن، ولا مكافأة أوجب وألزم وأحق من العدل، وترك الجور، والأخذ على يد الظالم، والحيلولة بينه وبين المظلوم، فإن مسالك أهل العلم إذا لم تتميز عن مسالك أهل الجهل كان العلم محنة لا منحة، ألستم ممن يتناوله قول الله - سبحانه -: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} (١) فأقل أحوال البيان الواجب عليكم أن يكون في الأمور التي تتعلق بكم، ولأهل الأعمال التي حلها وعقدها منوط بكم، ولا تكونوا كما قال الأول:

ويضمر قلبي غدرها فيعينها ... علي فما لي في الفؤاد نصيب

[٦]

قال - عفاه الله - فقد عمل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، كما أخرجه الترمذي (٢) وأبو داود (٣) في قضية المرأة التي وقع عليها رجل في سواد الصبح، فاستغاثت برجل مر عليها وفر صاحبها، ثم مر عليها ذو عدد فاستغاثت بهم، فأدركوا الرجل الذي استغاثت به، وأخذوه فجاءوا به إليها، فقال: أنا الذي أغثتك. وذهب الآخر فأتوا به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -:


(١) [آل عمران: ١٨٧].
(٢) في " السنن " رقم (١٤٥٤) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح، وعلقمة بن وائل بن حجر سمع من أبيه وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل، وعبد الجبار لم يسمع من أبيه.
(٣) في " السنن " رقم (٤٣٧٩).
قلت: وأخرجه أحمد (٣٩٩٦) والبيهقي في " السنن الكبرى " (٨/ ٢٨٤ - ٢٨٥) وهو حديث حسن. وقد تقدم مفصلاً.