" انطلقوا به فارجموه "، فقام رجل من الناس فقال: لا ترجموه فأنا الذي فعلت بها هذا الفعل، وأشكل الحديث، وطال خوض العلماء، وأجابوا بأن هذا الرجل لما أدرك وهو يشتد هربًا، وادعى أنه كان مغيثًا لا مريبًا، ولم ير أولئك الجماعة غيره كان هذا من أظهر الأدلة على أنه صاحبها، وكان الظن المستفاد لا يقصر عن الظن المستفاد من شهادة البينة، والأحكام الظاهرة تابعة للأدلة الظاهرة من البينة والأقارير، وشواهد الأحوال، وكونها في نفس الأمر قد تقع غير مطابقة لا تقدح في كونها طرقًا وأسبابًا للأحكام. والأطراف في هذا الباب متسعة
أقول: الجواب عن الاحتجاج بهذا ينحصر في وجوه:
الأول: الاستفسار له - عافاه الله - عن مقصوده بالاحتجاج بهذا الحديث، هل جواز الحكم على من قامت القرائن عنده أنه جنى على ذلك المجني عليه. أو جواز أخذ شيء من ماله ظلمًا، وهو المسمى بالأدب في اصطلاح الناس اليوم. إن كان مراده الأول فلا نمنعه أن يحكم على هؤلاء الأشراف المتظلمين بأنهم جنوا على ذلك المجني عليه. إن كان قد قامت له القرائن القوية بأن يكون حاضرًا للواقعة في بلاد الروس، ودخل المنزل، ووجد المجني عليه هنالك، ودمه يسيل طريًا، وأهل المنزل بيدهم السلاح الجارح، وعندهم من الريبة ما يفيد أن الفعل وقع منهم، فإذا كان قد قام عنده هذا، أو ما يقوم مقامه من القرائن فهو أهل للترجيح، وحقيق بالإيراد والإصدار للأحكام الشرعية ولكن أين هذه الأمور أو ما يقوم مقامها؟ فإن الواقعة المزعومة كانت في بلاد الروس، ومولانا - عافاه الله - في بير العزب، ولم نسمع بأنه شد الرحل إلى هنالك، بل لم يبلغه من القضية شيء إلا مجرد كتاب إليه فعله العريف الظالم [٧] الذي وصل هؤلاء الأشراف يتظلمون منه، كما وصفه في كتابه الذي شرحناه بهذه الورقات، بل قدمنا أنه لا وجود للجناية، ولا للجاني ولا للمجني عليه، ولا للقضية من الأصل، ولا دعوى ولا مدعي ولا مدعى عليه، وليس في المقام إلا افتراء الكذب والزور والبهتان من ذلك العريف الجاهل، ليأكل أموال الناس بالباطل، فهذا الدليل على فرض أن الاستدلال به لقصد