للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه دعوى، بل وصل إليكم لتنقذوه من العريف الظالم، وتحولوا بينه وبينه، وقدم الوصول إلى باب الشرع فأرجعه القاضي إليكم، فلما لم يجد عند القاضي إلا إرجاعه إليكم، ولا وجد عندكم إلا طلاب غريم يدعي عليه، وأهملتم شكواه، وتركتم ظالمه يصنع به ما شاء رجع ولسان حاله يقول: لم يوجد الإنصاف عند شريعة، ولا عند دولة، فالعود أحمد [٤] (١) ومظلمة أخف من مظلمتين.

والصبر على العريف اختيارًا أولى من الصبر عليه اضطرارًا.

ليست لمن ليست له حيلة ... موجودة أولى من الصبر

الوجه الخامس: لو سلمنا أن هاهنا قرائن قوية، وأن المدعي ببابكم يصرخ ويتظلم ويقول: أنقذني من غريمي، أو خذ لي منه أرشي، وقد صح لديكم الحكم على المدعى عليه بمجرد هذه القرائن، فأنتم أهل للاجتهاد والترجيح والحكم، ولكن كان عليكم أن تقولوا لمن قد صح عندكم أنه الجاني سلم للمجني عليه أرش (٢) الجناية (٣)، وهو كذا، أو أقده من نفسك، فقد صح لنا وجوب ذلك عليك بالقرائن القوية، ولكن المفروض أنه لم يقع من ذلك العريف إلا المطالبة لهم بنهب مالهم ظلمًا وعدوانًا، ليأخذه لنفسه، ولمن


(١) قال في " اللسان " (٩/ ٤٥٨): والعود ثاني البدء قال:
بدأتم فأحسنتم فأثنيت جاهدًا ... فإن عدتم أثنيت، والعود أحمد
وأنشد مالك بن نويرة:
جزينا بني شيبان قدمًا بفعلهم ... وعدنا بمثل البدء، والعود أحمد
وانظر " جمهرة الأمثال " للعسكري (٢/ ٤١ - ٤٢).
(٢) أرش: المشروع في الحكومات. وهو الذي يأخذه المشتري من البائع إذا اطلع على عيب في المبيع.
وأروش الجنايات والجراحات من ذلك، لأنها جابرة لها عما حصل فيها من النقص. وسمي أرشًا لأنه من أسباب النزاع، يقال أرشت بين القوم إذا أوقعت بينهم.
" النهاية " (١/ ٣٩).
(٣) الجناية: الذنب والجرم وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العذاب أو القصاص في الدنيا والآخرة.
" النهاية " (١/ ٣٠٩).