للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمستجير بعمرو عند كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنار (١)

أو كما قال القائل:

فقلت من ذا الذي أرجوه لي فرجًا ... فقال أنا فرج زن لي كدى بيتي

[٣]

أو كما حكى عن كليب أنه لما طعنه جساس، وصار يجود بنفسه وصل إليه بعض قرابة جساس فقال له: أغثني بشربة، فأغاثه بطعنة كان فيها موته، فقال القائل:

رمى ضرع ناب فاستغاث بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهم

فهل يقول من يعلم بل من يفهم أن فرار هذا المظلوم من الظلم قرينة قوية، تدل على جواز ظلمه! وعلى أن ذلك العريف الظالم محق في ظلمه، هو وأهله!.

الوجه الرابع: إنا لو فرضنا أن المجني عليه يدعي على هؤلاء المظلومين، وأنه قد أوقع الدعوى ثم خاطبهم العريف الجاهل بمجرد الدعوى، وظلمهم وهتك حرمتهم فأردتم استيضاح الحقيقة، واستفصال الأمر بالإرسال للمدعي، فرجع الشاكي بلاده بعد الشكوى عليكم، وإرسالهم من مقام الشرع إليكم، وأنه لا مقصد لكم إلا استيفاء الوجه الشرعي للمجني عليه، فهل قد قال قائل من أهل العلم أن مجرد رجوع الشاكي إلى بلاده قبل وصول المجني عليه الذي له دعوى عليه يقوم مقام المناط الشرعي، ويوجب الحكم على هؤلاء المظلومين للغريم الغائب، بمجرد أنهم رجعوا البلاد التي جاءوا منها، مع أنها بالقرب منكم بينها وبينكم دون يوم، وهل دل على مثل هذا دليل؟ وهل جاءت به شريعة من الشرائع؟ فإن هذا ليس بقرينة قوية، ولا ضعيفة، ولا يقول من يفهم أنه من هذا القبيل، لأن الذي رجع إلى بلاده لم يرجع لكونه غاية ما وقف عليه منكم الإرسال لمن يدعي عليه، على فرض أنه يدعي عليه وهو لم يصل إليكم لتطلبوا له من له


(١) يضرب مثلاً للرجل يفر من الأمر إلى ما هو شر منه.
" جمهرة الأمثال " للعسكري (٢/ ١٦٠ رقم ١٤٤٥).
قولهم: كالمستغيث من الرمضاء بالنار.