للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقولُ: رجع ـ عافاه الله ـ إلى الموازنة بين المفاسِد وهو غيرُ ما قد حرَّره سابقًا، وهذا أحسنُ ما ينبغي التعويلُ عليه في المسألة، لكنه لا يتمُّ إلاَّ بعد تسليم ما زعمه من أن مفسدةَ التحجُّر دون مفسدة عدم التحجر، ونحن نمنع ذلك، بل نقول: إنه لا مفسدة في ترك التحجُّر أصلاً شرعًا وتجربيًا، أما شرعًا فَلِما ذكرنا في الرسالة (١) من إرشاد الشارع إلى الاشتراك في الثلاث، ونهيه عن الاختصاص بها [٦أ]، وأما تجريبًا فَلِما قدَّمنا ذِكْرَهُ غَيْرَ مرَّة أن منشأ الفتن، وسفكَ الدماء إنما كان بسبب ضَرْبِ الحدود، ومَنْعِ الناس عن حكم الشرعِ، ومخالفةِ ما جاء به رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ وكيف يكون ما شرعه لأُمَّتِهِ، ودل عليه، وأرشد إليه مفسدةً! يا لله العجبُ، بل كيف يكون ما شرعَهُ، وهدَى إليه مشتملاً على مفسدةٍ أعظمَ من المفسدة الحاصلة بما نهى عنه وأرشد إلى مخالفته! وهل هذا إلاَّ من التقصير بجانب الشريعة المطهرة! وترجيحَ ما يخالفها! ومولانا الشرفيُّ وإن جرى قلمُه بهذا، واستلزمه كلامُهُ فهو ـ عافاه الله ـ لو كُوشِفَ، وحُوْقِقَ لم يرضَ أن يحكم على ما شرعه لنا رسول الله، ودرج عليه خيرُ القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم إلى انقراضِ ألفِ سنةٍ من الهجرة بأنه مفسدةٌ خالصةٌ زائدةٌ على ما في خلافِه مما سنَّه الشكايذي، ومَنِ الشكايذي بل من العالَمُ بأسرِهِ بجنب المصطفى ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ؟! فما لنا وللمعادلة بين الشريعة المطهرة، وبين البدعة المحضة، ومجاوزة ذلك إلى أن الشريعة المطهرةِ قد اشتملتْ على مفسدةٍ، وغيرُها من البدعةِ مشتملةٌ على مصلحةٍ! سبحانك الله وبحمدك، اللَّهم غُفْرًا.

دعُوا كلَّ قولٍ عند قولِ محمد ... فما آمِنٌ في دينِه كمخاطِرِ

قوله: لكن زَمَانَنَا قد فسدَ أكثرُ الناس فيه.

أقولُ: الفساد إنما وصل إلينا من تركِ الشريعةِ المطهرة، وظنِّهم أن غيرها أصلحُ منها ولو دبَّرهم الولاةُ بها لكانوا كالصحيح المقوَّم [٦ب].


(١) رقم (١١٩).