للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد جربنا من أحوال العامة والخاصّة ما لا يأتي عليه الحصْر فوجدنا مصلحتهم وصلاحَ دينهم ودنياهم في الشريعة المطهرة، وما يُظَنُّ مِنْ أنَّ سِواها يُصلِحُهم فهو باطلٌ عاطلٌ لا يَغْتَرُّ به إلاَّ من لم يمارِس الحقائقَ. ولقد اتفقَ شِجارٌ في الديوان الإمامي بين طائفة من اليهود ـ أقماهم الله (١) ـ

وبين جماعة من المسلمين ـ أعزهم الله ـ في المدر، وتمسكوا بأحكام جاريةٍ على قانون المناسب الملغي قد قررها الأوَّلون، فلما أبرزوها في الديوان أجريتُهم عليها، فعادوا عن قريب، ثم أجريتُهم على نوع آخر من أنواع المناسب فعادوا عن قريب، ثم كذلك، وما زلت أتطلَّبُ ما يصلِحُهم مرةً بعد مرةٍ فأعياني أمْرُهُم، وداويتُهم بالشريعة السمحةِ السهلةِ، ومزَّقتُ ما بأيديهم من الأحكام السابقة واللاحقة، وقلتُ: بيعوا كيفَ شِئتُم ولا حرجَ، فكان في ذلك الشفاءُ، ولم يَجْرِ بينَهم بعد شجارٌ، وصلُحوا أكملَ صلاح، وقد كانوا شارفوا الهلاك، وهكذا اتفق شجارٌ في الديوان، وخصوماتٌ متعددةٌ في شأن الحدود، وكلَّما أردتُ إصلاحهم بشيء مما يقوِّي ما هم عليه من المناسب الملغي فسدُوا حتى اتفقَ في بعض الخصوماتِ بينَ أهل قريتين أني أمرت خمسةً من حكَّام الديوان المعتبرين يعزمون إلى محل الشجار، وينظرون ما تتحسَّمُ به المادةُ، فما زال [٧أ] الشرُّ يتزايد، والفتنة تثورُ، فداويتهم آخِرَ الأمر بمراهم الشريعة؟ وقلت: اعْزِمُوا على بركة اللهِ وارْعَوا كي شئتم بلا حرجٍ، وأنتم مشتركون في جميع المواطن المتصلة بكم، فذهبوا وعاشوا بأرغدِ عيشٍ، لم يَثُرْ بينَهم شيء من الفتن، ولا نابَتْهم نائبةٌ قطُّ (٢)، وكم أعد ذلك من مثل هذا، فكن على يقين أن الصلاحَ كلَّ الصلاحِ لأمور الدنيا والآخرة هو في الشريعة المطهرة الذي يقول صاحبها ـ صلى الله عليه وآله


(١) كذا في المخطوط. غير واضحة. ولعلها أقمأهم الله.
(٢) قال فضيلة القاضي محمد بن إسماعيل العمراني حفظه الله ورعاه: "وهو كلام جيد يدل على أنَّ الشوكاني محدث وقاضٍ وفقيه، وأُصوليِّ وشجاع في قول الحق الذي يراه كما أنَّه شجاع في تطبيقه فرضي الله عنه وأرضاه".