للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما ذكرتَ، فهذا غيرُ ما نحن بصدده، فإن عمر حَمَى ذلك لخيل الجهادِ، ومصلحةِ المسلمينَ، ولم يُنْقَلْ عنه أنْ ضربَ حدودًا بين قريتين، ومنع كلَّ جهة من مجاوزة ما ضربه بينهم، وليس كلامُنا إلاَّ في هذا، ولهذا سمَّينا الرسالة "عِقْدُ الجمانِ في شأنِ حدودِ البلدانِ" (١) والاسم يدلُّ على المسمَّى أقلَّ الأحوال. وقد أوضحنا الفرقَ فيما تقدم بين الحِمى وبين الحدود، فلْيتأمَّلِ الشرفيُّ ـ أطال الله بقاءه ـ.

وأما ما ذكره ـ كثر الله فؤائده ـ من الكلام في المرسل وأقسامِهِ فليرجِعْ إلى كتب الأصول، وهي موجودة لديه، وينظرْ ما ذكره الأئمةُ في تفسير كلِّ واحد منها؛ فإنه إن أمعنَ النظرَ في ذلك كما ينبغي [٥ب] عرفَ أن حدودَ البلدانِ ليست من قسم المناسبِ الملائِم، ولا المؤثِّرِ، ولا المرسلِ، ولا الغريب، بل من قسم المناسب الملغي. وقد أورد الأئمة لكل قسم منها أمثلةً متعددة، ولا سيما في الكتب المطوَّلة (٢) فلنكتف بمجرد الإحالة عليها، وفي إنصافه ـ دمت فوائده ـ ما تغنينا عن إيراد الأمثلة.

وأما ما أورده من أفعال عمرَ فيكفينا في جوابه أن نقولَ: ليس اجتهادُه حجةً، ولا يجب الإنكارُ في الاجتهاد حتى يقال: لم يُنْكِرْ عليه الصحابةُ، ولو كان مجرَّدُ ما يؤدي إليه الاجتهادُ مما يجبُ فيه الإنكارُ لأنكر الناسُ على كلِّ مجتهدٍ اجتهادُه، ووجبَ عليهم ذلك، ولا قائلَ به، فمن سكت عن مجتهد في اجتهاده لا يُسْتَدَلُّ بسكوته على أن ذلك الاجتهادَ حقٌّ، وما فعله عمرُ في الحِمى هو من مطارح الاجتهادِ، وليس من المواضع التي بمسرحٍ للاجتهاد حتى يكون لما قاله او فعلَه حُكْمُ الرفعِ، وبعد هذا كلِّه فليس كلامُنا في الحمى، إنما كلامنا في الحدودِ، وبينَهما فرق قد تقدم تحريرُهُ.

قوله: وحصولُ المفسدة بالتحجُّر أهونُ منها مع عدم التحجُّر.


(١) رقم (١١٩).
(٢) انظر "الكوكب المنير" (٤/ ١٥٣) و"المحصول" (٥/ ١٥٨)، "إرشاد الفحول" (ص٧١٠ - ٧٢٠) "البحر المحيط" (٥/ ١٥٣ وما بعدها).