(٢) قال القرطبي في " المفهم " (٣/ ٢١٢): اختلف في معنى هذا على أقوال: أحدها: أن أعمال بني آدم يمكن الرياء فيها، فيكون لهم، إلا الصيام فإنه لا يمكن فيه إلا الإخلاص؛ لأن حال الممسك شبعا كحال الممسك تقربا، وارتضاه المازوري - في المعلم بفوائد مسلم (٢/ ٤١) - ثم قال المازوري بعد ذلك: وإنما القصد وما يبطنه القلب هو المؤثر في ذلك والصلوات والج والزكاة أعمال بدنية يمكن فيها الرياء والسمعة، فلذلك خص الصوم بما ذكره دونها. ثانيها: أن أعمال بني آدم كلها لهم فيها حظ إلا الصيام، فإنهم لا حظ لهم فيه. قاله الخطابي. قال الحافظ في الفتح (٤/ ١٠٧): معنى النفي في قوله " لا رياء في الصوم " أنه لا يدخله الرياء بفعله، وإن كان قد يدخله الرياء بالقول، كمن يصوم ثم يخبر، فإن الرياء قد يدخله الرياء من هذه الحيثية، فدخول الرياء في الصوم إنما يقع من جهة الإخبار، بخلاف بقية الأعمال فإن الرياء قد يدخله بمجرد فعلها. ثالثها: أن أعمالهم هي أوصافهم، ومناسبة لأحوالهم إلا الصيام، فإنه استغناء عن الطعام، وذلك من خواص أوصاف الحق سبحانه وتعالى: وذكره الحافظ في الفتح (٤/ ١٠٨). رابعها: أن أعمالهم مضافة إليهم إلا الصيام، فإن الله تعالى أضافه إلى نفسه تشريفا، كما قال (بيتي، عبادي). قال الحافظ في الفتح (٤/ ١٠٨): وقال الزين بن المنير: التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف. خامسها: أن الأعمال كلها ظاهرة للملائكة، فتكتبها، إلا الصوم، وإنما هو نية وإمساك، فالله يعلمه ويتولى جزاءه، قاله أبو عبيد. قال الحافظ في الفتح (٤/ ١٠٩): واستند قائله إلى حديث واه جدا أورده ابن العربي في " المسلسلات " ولفظه: " قال الله: الإخلاص سر من سري استودعته قلب من أحب، لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان يفسده " ويكفي في رد هذا القول الحديث الصحيح في كتابة الحسنة لمن هم بها، وإن لم يفعلها.