للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالث: أن الصوم لم يعبد به غير الله (١)، وما عداه من العبادات قد تقرب به إلى غيره، ويعترض عليه بمثل ما ذكره السائل، عافاه الله.

ويجاب عنه بأن ذلك ليس على طريقة العبادة، بل هو لقصد تخفيف الأخلاط وتقليلها، كما يفعله أهل الرياضيات، ويزعمون أن أثرا في إدراك الحقائق، ولم يكن في قصدهم التقرب بذلك إلى الكواكب ونحوها.

الرابع: أن الصوم صبر (٢)، فيدخل تحت قوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ


(١) قال ابن حجر في " الفتح " (٤/ ١٠٨): واعترض على هذا بما يقع من عباد النجوم وأصحاب الهياكل والاستخدامات، فإنهم يتعبدون لها بالصيام. وأجيب: بأنهم لا يعتقدون إلهية الكواكب وإنما يعتقد أنها فعالة بأنفسها، وهذا الجواب عندي ليس بطائل؛ لأنهم طائفتان: إحداهما كانت تعتقد إلهية الكواكب وهم من كان قبل ظهور الإسلام، واستمر منهم من استمر على كفره. والأخرى من دخل منهم في الإسلام واستمر في تعظيم الكواكب وهم الذين أشير إليهم.
(٢) ذكره ابن حجر في " الفتح " (٤/ ١٠٨) وعزاه إلى ابن عيينة أنه قال ذلك، واستدل له بأن الصوم هو الصبر لأن الصائم يصبر نفسه عن الشهوات.
قال القرطبي في " المفهم " (٣/ ٢١٣): قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠]، وهم الصائمون في أكثر أقوال المفسرين , وهذا ظاهر قول الحسن، غير أنه قد تقدم، ويأتي في غير ما حديث: أن صوم اليوم بعشرة، وأن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصيام رمضان صيام الدهر، وهذه نصوص في إظهار التضعيف، فبعد هذا الوجه، بل بطل.
قال الحافظ ردا على قول القرطبي: " لا يلزم من الذي ذكر بطلانه، بل المراد بما أورده أن صيام اليوم الواحد يكتب بعشرة أيام، وأما مقدار ثواب ذلك فلا يعلمه إلا الله تعالى، ويؤيده أيضًا العرف المستفاد من قوله: " أنا أجزي به " لأن الكريم إذا قال: أنا أتولى الإعطاء بنفسي، كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه ".
انظر: " فتح الباري " (٤/ ١٠٨) و" المفهم " (٣/ ٢١٣).