للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعنى بالقراءات التي تعاقب فيها (أَفْعَلَ) و (فَعَّلَ) وذلك نحو قوله تعالى: {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} (١)، حيث قرئ "نُصَلِّيهِ" (٢). قال الفراء: "وتقرأ: "نُصَلِّيهِ"، وهما لغتان، وقد قرئتا، من صَلَّيْتُ وأَصْلَيْتُ. وكأنّ صَلَّيْتُ: تصليه على النار، وكأنّ أَصْلَيْتُ: جعلته يصلاها" (٣).

ومنه قوله تعالى {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (٤) حيث قرئ {وَسَيُصَلَّوْنَ} (٥)، وقرئ أيضا {وسَيُصْلَوْنَ} (٦)، والمعنى واحد: يبتلى بحرها (٧).

قال السمين: قرأ الجمهور "سَيَصْلَوْنَ"بفتحِ الياء واللام، وابن عامر وأبو بكر "سَيُصْلَوْنَ" بضمِّ الياء مبنياً للمفعول من الثلاثي. ويَحْتمل أن يكونَ من أَصْلى، فلمَّا بُني للمعفولِ قام الأولُ مقامَ الفاعلِ. وابن أبي عبلة بضمِّها مبنياً للفاعلِ من الرباعي، والأصلُ على هذه القراءة: سيُصْلِيُون من أصْلى مثل يُكْرِمون من أكرم، فاستثقِلَت الضمةُ على الياءِ فَحُذِفت فالتقى ساكنان، فحُذِفَ أولُهما وهو الياءُ وضُمَّ ما قبل الواو لتصِحَّ. و"أَصْلَى": يُحتمل أَن ْ تكونَ الهمزةُ فيه للدخول في الشيء، فيتعدَّى لواحد وهو "سعيراً" وأن تكونَ للتعديةِ فالمفعولُ محذوفٌ، أي: يُصْلُون أنفسَهم سعيراً.

وأبو حيوة "سَيُصَلَّوْنَ" بضمِّ الياءِ وفتحِ الصاد، واللام مشددة، مبنياً للمفعول من "صَلَّى" مضعفاً. قال أبو البقاء: "التضعيف للتكثيرِ" ... وقال الخليل: "صَلِي الكافرُ النارَ" قاسَى حَرَّها. وصلاة النارَ وأَصْلاه غيرُه، هكذا قال الراغب، وظاهرُ هذه العبارةِ أنَّ فَعِل وأَفْعَل بمعنىً، يتعدَّيان إلى اثنين ثاينهما بحرفِ الجر، وقد يُحْذَف. وقال غيرُه: "صَلِيَ بالنارِ أي: تَسَخَّن بقربها، فـ "سعيراً" على هذا منصوبٌ على إسقاط الخافض" (٨).


(١) النساء:٣٠.
(٢) هى قراءة الأعمش والنخعىّ وحميد بن قيس، انظر: البحر المحيط: ٣/ ٢٣٣، وجامع الأحكام للقرطبي: ٥/ ٢٥٣، ومعجم القراءات لمختار: ١/ ٥٠٣.
(٣) معاني القرآن: ١/ ٢٦٣.
(٤) النساء: ١٠.
(٥) هي قراءة ابن أبي عبلة وأبو حيوة، انظر: الدر المصون: ٤/ ٣٥٠، ومعجم القراءات:١/ ٤٨٩.
(٦) قراءة ابن عامر وعاصم وأبو بكر والحسن، انظر: السبعة: ١٣٨، والحجة لابن خالويه: ١٢٠، والحجة لأبي زرعة: ١٩١، ومعجم القراءات: ١/ ٤٨٩.
(٧) انظر: معاني القرآن للفراء: ١/ ٢٦٣.
(٨) الدر المصون: ٤/ ٣٥٠.

<<  <   >  >>