للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في هذا الحديث عَمِدت نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مخالفة ظاهر نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- لهنّ عن صب الدواء في فمه دون اختياره وذلك بناء على حملهن هذا النهي على أنه إنما كان لعلة كراهية المريض للدواء إذا لم يوافقه، وفي هذه الحالة لا يؤخذ بأمر المريض ونهيه.

ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أفاق من إغمائته لم يقبل باجتهادهن هذا في مورد نهيه -صلى الله عليه وسلم- ولذلك عاقبهن بأن يُلددْن جميعًا حتى من كانت منهن صائمة كما جاء ذلك في بعض الروايات (١).

وهذا الدليل من القوة بمكان إلا أنه يمكن الجواب عليه بما يلي:

أولًا: أن هذا الحديث لا يتضمن نصًا شرعيًا ورد لتقرير حكم شرعي معين، وإنما كان نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- لزوجاته عن لدّه أمرًا جبليًا يتعلق بشخص النبي -صلى الله عليه وسلم- من حيث إرادته أو عدم إرادته التداوي بدواء معين أو غيره، وهذا خارج عن أمر التشريع، وما كان كذلك فلا ينبغي التجاسر عليه وعلى ظاهره بالتعليل بخلاف نصوص الشريعة التي جاءت لتقرير أحكام مصلحية ظاهرة.

ثانيًا: أن تأويل أزواجه -صلى الله عليه وسلم- لنهيه أنه كان من أجل كراهية الدواء كان تأويلًا بعيدًا وذلك لما عُلم من حال النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يتداوى ويأمر بالتداوي، والتأويل البعيد - حتى لو كان بالتعليل - فهو مردود، قال ابن حجر رحمه اللَّه:

«ويستفاد منه [أي الحديث السابق] أن التأويل البعيد لا يعذر به صاحبه» (٢).


(١) انظر: ابن حجر، فتح الباري، ج ٧، ص ٧٥٥.
(٢) المرجع السابق، ج ٧، ص ٧٥٤.

<<  <   >  >>