للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يستدل به أيضًا على منع تأثير تعليل النص على دلالته من اجتهادات الصحابة رضوان اللَّه عليهم اجتهادهم - وهو لا يندرج تحت أي من النوعين آنفي الذكر - في مسألة الرمل في الطواف.

وذلك أن الرمل في الطواف - وهو شدة السعي في الأشواط الثلاثة الأولى - شُرع لعلة إظهار القوة للمشركين وقد زالت هذه العلة بعد فتح مكة وتطهيرها منهم إلا أن حكم الرمل لم يَزُلْ بل بقي الصحابة ومن بعدهم يرملون في هذه الأشواط.

قال ابن عباس، رضي اللَّه عنهما: "قدم رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وقد وهنهم حمى يثرب فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم" (١).

وفي هذا دليل على عدم جواز تخصيص العموم الزمني للنص الشرعي بما يُستفاد منه من علة أو بعبارة أخرى دليل على عدم جواز تأثير تعليل النص على دلالته.

ويرد على هذا الدليل أنه يمكن القول بأن العلة لابتداء حكم الرمل وإن زالت إلا أن استمرار حكم الرمل ثبت لعلة أخرى، وهي التذكير بما كان عليه حال المسلمين من الخوف والمعاناة وكيف آل الأمر إلى انتشار الإسلام وعموم الأمن وخروج المشركين من جزيرة العرب، وهذا بدوره يذكر بفضل اللَّه ونعمته مما يدفع إلى حمده وشكره، وهذه معاني عبادية لا يهيجها شيء مثل الاتباع ولو في الصورة، وقد ألمح إلى شيء من ذلك عمر -رضي الله عنه- حين قال:


(١) البخاري، الصحيح، حديث رقم (١٦٠٢).

<<  <   >  >>