للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الشاطبي: «فهذا منه -صلى الله عليه وسلم- إشارة إلى النظر لمجرّد الأمر وإن كان ثَمَّ معارض» (١).

ويرد على هذا الدليل أن اجتهاد أبي سعيد في هذه الواقعة ليس هو من قبيل تأثر النص بما يستنبط منه من علة، وذلك لأن علة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإجابته غير معروفة حتى يقال بأن أبا سعيد فهم من علة الأمر عدم لزوم الإجابة على الفور.

وإنما الذي صنع أبو سعيد هو الموازنة بين حكمين شرعيين: -

الأول: يقضي بإتمام الصلاة وهو مأخوذ من الآية: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وغيرها من الدلائل.

والآخر: يقضي بقطع الصلاة وهو مأخوذ من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالإجابة.

فجمع أبو سعيد بين النصين بأن أتم الصلاة ثم أجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك. وقد أخطأ في هذا الاجتهاد؛ لأن إتمام النافلة نافلة وإجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- فرض ولا تقدم النافلة على الفرض، فلامه -صلى الله عليه وسلم- على ذلك بيانًا لخطأ هذا الاجتهاد، وعليه، فلا دلالة في الحديث على عدم جواز تأثير تعليل النص على دلالته واللَّه أعلم.

وبالإمكان إضافة مثال آخر على هذا النوع أكثر وضوحًا وهو:

٢ - ما روته عائشة رضي اللَّه عنها قالت: "لددْنا (٢) رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- في مرضه، وجعل يشير إلينا: لا تلدُّوني، قالت: فقلنا: كراهيةَ المريض للدواء، فلما أفاق قال: ألم أنهكن أن تلدوني؟ قالت: قلنا: كراهية للدواء، فقال رسول -صلى الله عليه وسلم-: لا يبقى أحدٌ منكم إلا لُدَّ وأنا أنظر" (٣).


(١) الشاطبي، الموافقات، ج ٣، ص ١٤٥.
(٢) أي وضعنا الدواء في جانب فمه دون اختياره ورضاه. انظر: ابن حجر، فتح الباري، ج ٧، ص ٧٥٤ والمعجم الوسيط، ج ٢، ص ٨٥٤.
(٣) البخاري، الصحيح، حديث رقم (٦٨٨٦).

<<  <   >  >>