ومن ثم فان أية لحظة في تاريخ الكون تعتبر محددة لأية لحظة في المستقبل. أن شئت أن الإخضاع الواضح للإنسان المتميز بكل العبقرية أو القديس بأي مفهوم أو بكل التضرع والصلوات - لغاز بدائي، لا يفت في عضد دي هولباخ فأنه يتقبل مصيره في كبرياء أبيقورية:
"إن الإنسان من عمل الطبيعة، وهو يوجد في الطبيعة، خاضع لقوانينها، ولا يملك تخليص نفسه من هذه القوانين، ولا يمكنه أن يخطو فيما ورائها خطوة واحدة حتى في فكره. ولذلك فأنه بدلاً من البحث خارج العالم … عن كائنات توفر له السعادة التي تنكرها عليه الطبيعة يحمل به أن يدرس هذه الطبيعة ويعرف قوانينها ويتأمل في قواها ويراعي القواعد الثابتة التي تعمل بمقتضاها. فليطبق الإنسان كل ما يتصل إليه على هناءته هو ويخضع في صمت لما تفرضه عليه من الحماية أو الوصاية التي ليس في مقدور أحد تبديلها أو تغييرها، ويرتضي مبتهجاً أن يتجاهل الأسباب والعلل التي يحول بينه وبينها حجاب كثيف لا يمكن اختراقه، ويستسلم دون تذمر لقوانين الضرورة الكونية التي يستحيل عليه إدراكها إطلاقاً. ولا تحرره أبداً من تلك القوانين التي فرضت عليه بحكم ماهيته أو جوهره (١١٤) ".
وهل تبرر لنا هذه "الجبرية"(أي الأيمان بالقضاء والقدر) أن نخلص إلى أنه لا فائدة ترجى من وراء محاولتنا تفادي الشرور أو السيئات والأعمال المخزية أو المرض، وأن نكف عن بذل أي جهود، أو عن الطموح أو التطلع وأن ندع الأمور تجري في أعنتها؟ ويجيب دي هولباخ بأنه حتى هنا ليس لنا الخيرة من أمرنا، فإن الوراثة والبيئة هما اللتان قررتا بالفعل أن نستسلم للدعة وعدم المبالاة، أو أن نستجيب في جد ونشاط لمتطلبات الحياة وتحدياتها، ويسبق دي هولباخ إلى الاعتراض على أن هذه الجبرية - وهي تبدو كأنها تتغاضى عن الجريمة وتغتفرها - قد تزيد منها. أن الجبرية لا توحي بعدم معاقبة الجريمة بل إنها على النقيض من ذلك ستؤدي بالشرع والمعلم والرأي العام أن يصنعوا بمقتضى القوانين أو الأخلاق عوائق