للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العقلية. وإذا اعتبرنا الذهن وظيفة من وظائف الجسم فإننا بذلك نمكن علم الطب من شفاء الكثير من الاضطرابات العقلية بالقضاء على أسبابها الجثمانية (١).

ومن حيث أن الذهن وظيفة من وظائف الجسم فأنه أي الذهن خاضع للقاعدة الكونية، قاعدة الأسباب والنتائج الطبيعية. والفصل الحادي عشر من كتاب "منهج الطبيعة أفصح وأبلغ دفاعاً عن مذهب الحتمية (الإيمان بالقضاء والقدر) في مجال الفلسفة الفرنسية بأسرها.

"إن حياة الإنسان قضت عليه الطبيعة برسنه على سطح الأرض دون أن يكون لديه القدرة على الانحراف عنه قيد أنملة. أنه ولد دون رضاه. أن كيانه أو تنظيمه لا يتوقف البتة على نفسه. إن الأفكار التي تخالجه تأتي قسراً لا طوعاً، وعاداته واقفة تحت سيطرة الذين يحملونه على التخلي عنها. ويتعدل الإنسان ويتغير بلا انقطاع نتيجة أسباب وعلل مرئية أو خفية ليس له سلطان عليها ولا تحكم فيها، وهي بالضرورة تنظم أسلوب وجوده وتصبغ تفكيره بصبغة معينة، وتقرر طريقة تصرفه وأفعاله، فهو طيب أو رديء، سعيد أو تعس، عاقل أو أحمق، ومتعقل أو غير متعقل دون أن يكون لإرادته دخل في أي من هذه الحالات المختلفة (١١٣) ".

ويبدو أن هذه الحتمية تنطوي على الجبرية وعلى النقيض من معظم الفلاسفة يرتضي دي هولباخ هذا التضمين … إن حالة الكون في أية لحظة تحددها حالته في اللحظة السابقة، وهذه حددتها سابقتها، وهكذا دواليك في الماضي،


(١) يقول جون مورلي "إنها لحقيقة تاريخية أكيدة أن العلاج العقلاني للمجانين والنظرية العقلانية لنوع معين من الإجرام ترجعان إلى رجال مثل بينل Pinel الذي درج على تعاليم مدرسة المذهب المادي في القرن الثامن عشر. وكان من المتعذر بشكل واضح أن تتم الإصلاحات العظيمة الإنسانية في هذا المجال قبل اضمحلال اللاهوت بشكل حاسم (١١٢).