للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أفضل في سبيل ارتكاب الجرائم، ويوفروا الدوافع والمغريات بالسلوك الاجتماعي القويم، وهذه العوائق والدوافع والمغريات ستنضم إلى العوامل البيئية التي تشكل سلوك الإنسان. ولكن الجبرية لا تسوغ لنا اعتبار الجرائم وكل السلوك غير الاجتماعي اختلال توازن عقلياً يرجع إلى الوراثة والظروف. ولذلك يجدر بنا أن نعالج مثل هذا السلوك كما نعالج المرض، وأن نتخلى عن التعذيب والعقوبات البالغة الصرامة لأنها تزيد الهوة بين الفرد والمجتمع، وتعود الناس على عنف والقسوة، أكثر مما تصرفهم عن ارتكاب الجرائم.

وليس في هذه الفلسفة بطبيعة الحال مكان للإله. إن مقت دي هولباخ الشديد لمذهب التوحيد (الإيمان بالله الواحد) وحده، بل لمذهب الربوبية ومذهب وحدة الوجود كذلك دعا معاصريه إلى أن يطلقوا عليه "العدو الشخصي لله سبحانه وتعالى (١١٥). وإذا عدنا إلى الوراء إلى البداية فإننا نجد دائماً إن الجهل والخوف خلقا الآلهة وزينهم الخيال أو الحماسة أو الخداع أو شوهوهم وعيدهم الضعف، وأبقت عليهم السذاجة أحياء، وأجلهم واحترامهم العرف والعادة، وناصرهم الطغيان .... ليخدم أغراضه (١١٦) ويثير ضدهم كل الحجج القديمة، ويتحمس بعنف كما فعل هلفشيوس ضد مفهوم الأسفار المقدسة عن الإله (١١٧) ولا يوحي إليه النظام والتناسق الرائعان للكون بأي "عقل أسمى" فإن هذا النظام وهذا التناسق يرجعان إب أسباب طبيعية تعمل بطريقة ميكانيكية، ولا يتطلب المر أن نعزوها إلى أي إله يمكن أن يكون هو ادق على الفهم والتوضيح أكثر من العالم. والنظام والاختلال مثل الخير والشر والجمال والقبح كلها مفاهيم ذاتية (غير موضوعية) مستمدة من اللذة أو الألم الذي توفره لنا مدركاتنا الحسية. ولكن الإنسان ليس "مقياس كل شيء" وليس إشباع رغباته أو رضاؤه معياراً موضوعياً يمكن تطبيقه على الكون. إن الطبيعة تسير قدماً دون اعتبار لما نراه نحن من أصغر نقطة في الفضاء حسناً أو سيئاً، قبيحاً أو جميلاً. ومن وجهة نظر الكل