للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي أواخر عام ١٧٤٤ فقد فيلدنج زوجته، وكدر موتها مزاجه حتى طهر حزنه بتصويرها تصوير المحب، خلال أسي البعد، في شخص صوفيا وأميليا. وبلغ به العرفان بالوفاء الصادق الذي أبدته خادمة زوجته التي بقيت معه لترعى أبناءه أنه تزوجها في ١٧٤٧. وكان خلال ذلك يعاني من المرض والعوز، ثم أنقذه من الفقر تعيينه (١٧٤٨) قاضي صلح لوستمنستر، ثم لمدلسكس بعد قليل. وكانت وظيفة شقة، ينقد عليها راتباً غير مضمون من رسوم المتقاضين الذين يوافونه بمحكمته بشارع بو. وقد وصف الجنيهات الثلاثمائة التي تجمعت له من هذه الوظيفة كل عام بأنها "أقذر نقود على وجه الأرض (٩٢) ".

ولا بد أنه كان خلال هذه السنوات الحافلة بالشدائد (١٧٤٤ - ٤٨) عاكفاً على أعظم رواياته، لأنها صدرت في فبراير ١٧٤٩ في مجلدات ستة باسم "قصة توم جونز اللقيط". وهو يروي لنا أن الكتاب ألف في "بضعة آلاف من الساعات" استنقذها من القضاء والكتابة المأجورة، ولم يستطع أحد أن يتبين من فكاهة الكتاب القوية وأدبه الفحل أن هذه كانت سنوات الحزن والنقرس والعوز. ومع ذلك فهاهنا ألف ومائتا صفحة في رواية يعدها الكثيرون أعظم الروايات الإنجليزية. فلم يسبق في الأدب الإنجليزي أن وصف رجل هذا الوصف الكامل الصريح، بدناً وعقلاً وخلقاً وشخصية. ويحضرنا في هذا المجال تلك الكلمات الشهيرة التي قدم بها ثاكري لقصته "بندنيس".

"منذ أن ووري مؤلف توم جونز للتراب لم يؤذن لروائي منا أن يرسم "رجلاً" بأقصى ما يملك من قدرة. فحتم علينا أن نستره وأن نخلع عليه ابتسامة متكلفة تقليدية معينة. والمجتمع مصر على رفض "الطبيعي" في فننا .. .. وأنت تأبى أن تسمع .. .. ما يتحرك في دنيا الواقع، وما يدور في المجتمع، وفي الأندية، والكليات، وقاعات الطعام-تأبى أن تسمع واقع حياة أبنائك وحديثهم".

ويطالعنا توم أول ما يطالعنا طفلاً غير شرعي وجد في فراش المستر أولورذي الطاهر النقي. وبين هذه البداية وزواج توم في النهاية