ومقال "التاريخ الطبيعي للدين" هذا يجمع بين اهتمام هيوم القديم بالدين، واهتمامه الجديد بالتاريخ. فقد فات مرحلة الهجوم على المعتقدات القديمة إلى مرحلة التساؤل عن كيفية توصل الإنسان إلى اعتناقها. ولكنه لا يميل إلى البحث الصابر المستأني، حتى بين المواد الشحيحة المتاحة آنئذ عن الأصول الاجتماعية، بل يؤثر أن يتناول المشكلة بالتحليل السيكولوجي والاستنباط العقلي. فعقل الإنسان البدائي فسر العلية كلها قياساً على إرادته وسلوكه، فوراء أعمال الطبيعة وأشكالها- كالأنهار والمحيطات والجبال والعواصف والأوبئة والعجائب الخ- تصور هذا الإنسان أعمالاً إرادية يقوم بها أشخاص مختفون ذوو قدرة خارقة؛ ومن هنا كان الشرك أول ضروب الإيمان الديني. وإذ كانت قوى أو أحداث كثيرة مؤذية للإنسان، فقد كان لخوف نصيب موفور في أساطيره وعباداته، فجسد هذه القوى الشريرة والشياطين وحاول أن يسترضيها. ولعل الإله لذي آمن به كلفن كان شيطاناً قاسياً، خبيثاً، مستبداً، صعب الإرضاء (وهذه إشارة خبيثة من هيوم)(١٢٤). وإذ تصور الإنسان الآلهة الخيرة على شكل البشر- إلا من حيث القوة والدوام، فإنه افترض أنها تمنح العون والراحة بقاء الهدايا والزلفى، ومن ثم كانت طقوس القرابين، والضحايا، والعبادة، وصلاة التضرع. وبازدياد التنظيم الاجتماعي حجماً واتساعاً، وبخضوع الحكام المحليين لملوك أعظم، موت دنيا اللاهوت بتغيير مشابه، فعزا الإنسان في الخيال إلى الآلهة نظاماً هرمياً تسوده الطاعة، وانبعث التوحيد من الشرك، وبينما كانت الجماهير لا تزال تجثو للآلهة أو القديسين المحليين، عبد المثقفون زيوس، أو جوبتر، أو الله.
ولسوء الحظ أصبح الدين أكثر تعصباً كلما غدا أكثر توحيداً. فالشرك سمح بألوان كثيرة من العقيدة الدينية، أما التوحيد فقد طالب بالتماثل. وانتشر الاضطهاد، وغدت الصيحة المطالبة بالعقيدة السنية "أعنف العواطف الإنسانية وأعتاها جميعاً (١٢٥) ". وأكرهت الفلسفة على أن تكون خادماً لإيمان الجماهير ومدافعاً عنه بعد أن كانت مطلقة