وهي إذا وردت صيغة الأمر بعد سَبْق حَظْر، هل يكون سبق الحظر قرينة عدم إرادة الوجوب وبكون حينئذٍ للإباحة؛ لأنها أقل درجات الإذن؟ أو غيرها؟ أقوال:
أحدها: هذا الذي اقتصرتُ عليه في النظم ورجحه ابن الحاجب، وجزم به الصيرفي والخفاف في "الخصال"، ونقله ابن برهان في "وجيزه" عن أكثر الفقهاء والمتكلمين والقيرواني في "المستوعب" وابن التلمساني في "شرح المعالم" عن نَص الشافعي، وكذلك نقله عن نَصه عبد العزيز بن عبد الجبار الكوفي كما في "شرح المحصول" للأصفهاني. وفي "مختصر التقريب" للقاضي: إنه أظهر أجوبة الشافعي. وقال الشيخ أبو إسحاق: للشافعي كلام يدل عليه. وفي "قواطع" ابن السمعاني أنه نَص عليه في "أحكام القرآن".
وكذا نقله الشيخ أبو حامد، قال: (وقال الشافعي في "أحكام القرآن": وأوامر الله ورسوله تحتمل معاني، منها الإباحة كالأوامر الواردة بعد الحظر، كقوله تعالى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة: ٢]، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا}[الجمعة: ١٠]. فاقتضى أن الأمر بعد الحظر للإباحة دون الإيجاب، وإليه ذهب جمعٌ من أصحابنا). انتهى
وقال القاضي أبو الطيب: إنه ظاهر مذهب الشافعي. وإليه ذهب أكثر من نظر في أصول الفقه.
وقال سليم الرازي: نَص عليه الشافعي.
وقال القاضي عبد الوهاب في "الإفادة": إنه الذي صار إليه الفقهاء من أصحاب الشافعي. وأطلقوا أن ذلك قوله الذي نَص عليه في كثير من كلامه، لا يجوز أن يُدَّعَى معه أن مذهبه خِلافُه.
قلتُ: ومن نصوصه في "الأم" ما قاله في "كتاب النكاح" في "باب ما جاء في أمر النكاح"، قال: (قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}[النور: ٣٢] إلى قوله: {يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور: ٣٢]، والأمر في الكتاب والسُّنة وكلام الناس يحتمل معاني،