للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي تقريب هذا؟! الأول يضع نصب عينيه خدمة دولته الانكليزية فيصور حالة المسلمين كما فهمها ويرشدها إلى ألطف المداخل لإلصاق المسلمين بها وينصحها بالمزاوجة بين الدين والدنيا في حكمها ويشير عليها بتدريب الشبان المسلمين في مدارسها الحربية ليكونوا أعوانا لهم في تحقيق مساعيهم. أين التوفيق والتقريب؟!! اللهم إلا أن يكون إخضاع المسلمين للإنكليز وإيقاعهم في حبائلهم يعني توفيقاً" (١).

أما الثاني فيكشف عن مراده بالمسلمين "فهم عندنا مسيحيون" ويصلي لهم كل يوم أحد ويسأل الله لهم الهداية.

ولعل أول ثمرة يجنيها أولئك القوم في سعيهم إلى التقريب بين الأديان القضاء على فكرة الجهاد في الإسلام فما دامت الأديان الثلاثة كلها حق وليس بينها من فرق فليس هناك من داع لحمل السيف وإعلان الجهاد ضد النصارى مثلاً، وهو الأمر الذي أقلق بريطانيا كثيراً وهي دولة نصرانية فسعت بشتى السبل للقضاء على هذه العقيدة الإسلامية فأنشأت القاديانية التي حرمت قتال الإنجليز والبهائية كذلك، وأيدت حركة أحمد خان الذي أعلن أن قتال الإنجليز كفر وأن مساعدتهم واجبة. ومن أثر هذه الدعوة ما نراه بارزاً في حديث رجال المدرسة العقلية الحديثة من تقليل شأن الجهاد في نشر الإسلام وأنه قام على الدعوة باللسان "وعللوا كل حركة من حركاته بأنها للدفاع بمعناه الاصطلاحي الحاضر الضيق" (٢) فلقد زعم السيد رشيد رضا "أن حروب النبي صلى الله عليه وسلم للكفار كانت كلها دفاعاً" (٣).

لذلك فلا عجب أن تؤيد انجلترا تلك الجمعية وذلك الاتجاه ما دام فيه تحقيق لهدف طال ما سعت إليه وبذلت فيه الغالي والنفيس وهو إبطال الجهاد.

لن نحاسب رجال المدرسة العقلية بزعامة أستاذهم بحقيقة عصرنا التي كشفت زيف هذه الدعوات في توحيد الأديان ففي الوقت الذي يدعو فيه بعض المسلمين إلى التقريب بين الإسلام والنصرانية ويتنقلون بين باريس والفاتيكان تقوم بعض الدول النصرانية بإشعال نار الحرب الصليبية العاشرة في لبنان، لا للتقريب بين المسلمين والنصارى فيه بل لطرد المسلمين وانفراد النصارى به وإقامة دولة نصرانية في لبنان كالدولة اليهودية في فلسطين، ولا غرو أن تقوم الدولة اليهودية "إسرائيل" بمساعدة النصارى في ذلك وتمكينهم من قيام دولة لهم بجوارهم ففي ذلك تبرير لقيام إسرائيل اليهودية أولاً وحرب للإسلام ثانياً وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى [البقرة: ١٢٠].

ومع هذا تأبى طائفة منا أن تصدق بهذا وتحاول أن تخدع نفسها بتسميتها بحرب أهلية وما هي بأهلية ولكنها صليبية وليرحمك الله يا صلاح الدين ..

لن نحاسب الإمام بهذه الحقيقة وحقائق غيرها كثيرة ولكننا نحاسبه بحقيقة الإسلام التي لا تخفى على مثله وعلى أمثال تلاميذه.


(١) ((الفكر الإسلامي المعاصر)) غازي التوبة (ص ٢١).
(٢) ((خصائص التصور الإسلامي)) سيد قطب (ص ١٨).
(٣) ((الوحي المحمدي)) للسيد محمد رشيد رضا (ص ٢٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>