للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غابت تلك الحقيقة عن أذهان كثير من المخدوعين بما ينتجه الغرب والمشدوهين بما يصدر منه من أفكار ومبادئ، أعماهم الإعجاب بالغرب عن التأمل فيما يبثه من أفكاره واكتفوا منه بصبغته الظاهرة للعيان. وكان من أولئك القوم المخدوعين رجال المدرسة العقلية الحديثة بزعامة أستاذهم وإمامهم محمد عبده فبعد أن توقفت (العروة الوثقى) وعاد الإمام إلى بيروت أنشأ فيها جمعية سياسية دينية سرية هدفها التقريب بين الأديان الثلاثة "الإسلام والمسيحية واليهودية" واشترك معه في تأسيسها ميرزا باقر، وبيرزداه، وعارف أبي تراب، وجمال بك نجل رامز بك التركي قاضي بيروت، ثم انضم إليها مؤيد الملك أحد وزراء إيران، وحسن خان مستشار السفارة الإيرانية بالآستانة، والقس إسحاق طيلر، وجي دبليو لينتر، وشمعون مويال، وبعض الانكليز واليهود وكان الإمام صاحب الرأي الأول في موضوعها ونظامها وميرزا باقر هو الناموس "السكرتير" العام لها (١) وهو إيراني تنصر وصار مبشراً نصرانياً وتسمى بميرزا يوحنا ثم عاد إلى الإسلام. ودعا أعضاؤها إلى فكرتهم في صحفهم ورسائلهم، وهذا الشيخ محمد عبده يكتب رسالة إلى القس إسحاق طيلر يقول فيها "كتابي إلى الملهم بالحق الناطق بالصدق حضرة القس المحترم إسحاق طيلر أيده الله في مقصده ووفاه المذخور من موعده" "إلى أن قال " .. ونستبشر بقرب الوقت الذي يسطع فيه نور العرفان الكامل فتهزم له ظلمات الغفلة فتصبح الملتان العظمتان المسيحية والإسلام وقد تعرفت كل منهما إلى الأخرى وتصافحتا مصافحة الوداد وتعانقتا معانقة الألفة، فتغمد عند ذلك سيوف الحرب التي طالما انزعجت لها أرواح الملتين (٢) "ويقول:- "وإنا نرى التوراة والإنجيل والقرآن ستصبح كتباً متوافقة، وصحفا متصادقة يدرسها أبناء الملتين ويوقرها أرباب الدينين فيتم نور الله في أرضه ويظهر دينه الحق على الدين كله" (٣)؟!! بينما يردد الشيخ محمد عبده هذا القول وأمثاله ينشر جي دبليولينتر مقال (الإسلام والمدارس المحمدية) في الديلي تلغراف اللندنية جاء فيه "وإحسان المسلمين لمواليهم وإشفاقهم على البهائم التي ترجع أيضاً إلى الرب وإنفاقهم في سبيل الخير والسذاجة التي هي من خصال المؤمنين الصادقين أحرى بأن تميلنا إليهم من أن نصيح على النبي الكاذب" (٤) وقال أيضاً "وإن كنا نريد أن نلصق المسلمين بالدولة الإنكليزية فيجب علينا أن نهب لهم الدين والدنيا" (٥) وقال "ومن جملة المساعي التي أؤكد الشروع فيها إدخال الشبان المسلمين ... في مدارسنا الحربية" (٦). ويقول إسحاق طيلر "إن المسلمين قد آمنوا بالمسيح عليه السلام .. فهم عندنا مسيحيون نصلي لهم كل يوم أحد ونسأل الله أن يهديهم وإيانا إلى الحق وإلى طريق مستقيم" (٧).


(١) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) للسيد رشيد رضا (١/ ٨١٩، ٨٢٠، ٨٢٨).
(٢) ((الأعمال الكاملة لمحمد عبده)) جمع وتحقيق محمد عمارة (٢/ ٣٦٣ - ٣٦٤).
(٣) ((الأعمال الكاملة لمحمد عبده)) جمع وتحقيق محمد عمارة (٢/ ٣٦٣ - ٣٦٤).
(٤) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) السيد محمد رشيد (١/ ٨٢٠ - ٨٢٢).
(٥) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) السيد محمد رشيد (١/ ٨٢٠ - ٨٢٢).
(٦) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) السيد محمد رشيد (١/ ٨٢٠ - ٨٢٢).
(٧) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) السيد محمد رشيد (١/ ٨٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>